الصنف:
بسم الله الرحمن الرحيم
البركة الرومانية في عقربا: تاريخ عريق وحاضر مهمل
حمزة أسامة ديرية
22-6-2010
على أنقاض أقربتين البيزنطية تقوم بلدة عقربا اليوم، وبحكم تتابع الحضارات وتوارث الأمم فقد ورثت عقربا شواهد معمارية من حضارات عظيمة أقيمت قبلها في ذات الموقع بدءً من العصر البرونزي المتقدم(3300)سنه قبل الميلاد، مروراً بالكنعانيين وما تلاهم، ثم الفرس والرومان وأخيراً الدولة البيزنطية، لتحل بعدها حضارة الإسلام ويتواصل ركب الحضارة في عقرباء حاضرة الإسلام وإحدى بلداته. وقد امتزجت الشواهد الحضارية الموروثة عن كل هؤلاء وباتت متداخلة بالنسبة للناس وغير قادرين على التميز في نسبتها وأصل منشأها، فكلها آثار.
في بلدة عقربا العديد من الشواهد الحضارية المهم وهي طبعاً متفاوتة من حيث العهد الذي تنتمي إليه وكذلك الأهمية التاريخية، وسأفصل لكل على حدا أن شاء الله ، لكن ما أريد الحديث عنه هنا هو البركة الرومانية المعروفة لكل أبناء القرية وبل ولكل من زار عقربا ونزل بها.
شمال المسجد العمري والقبة البيزنطية - سابقاً -، مسجد عقربا الكبير اليوم وعند مُنتهى جبل الكروم السُفلي أقام الرومان بركة لاستيعاب الماء وتخزينه، وذلك أن الماء المنحدر من جبل الكروم شتاءً يكون جريانه قوياً عند موضع البركة الرومانية.
وهذه البركة تعتبر لوحة معمارية من أروع ما ترك الرومان في بلادنا، وقد سلمت من التخريب والتجريف والهدم ولا تزال قائمة وسط القرية اليوم . والبرك عموماً من الفنون المعمارية القليلة في فلسطين والتي يجب أن تنال برعاية واهتمام لائق بها كنمط معماري فريد ينتمي لحضارات سابقة، فهي إرث إنساني تراثي والاهتمام به ورعايته والحفاظ عليه هم جماعي.
وقبل أن أدخل في الوصف المعماري للبركة لا بُد من الإشارة إلى الداعي لإنشاء مثل هذه البرك بهذا الحجم والسعة من قبل الرومان، الأمر الذي يقودنا إلى الحاجة الماسة إلى الماء قديماً في أقربتين (عقربا) مع قلة عيون الماء أو عدم كفايتها أو ربما بعدها عن مركز البلدة في حينه. وقد يكون العامل الزراعي أحد أهم أسباب إنشاء مثل هذه البرك خصوصاً مع كثرة الأنابيب والشبكات الفخارية التي وجدت في القرية. وربما لطبيعة البلدة التي كانت كثيرة الأحداث والقلاقل والحروب دور. ولذا لجأ حاكم البلدة الرومانية أقربتين إلى البحث عن طرائق وآليات لتوفير الماء ولتسهيل عملية الحصول عليه لفترة أطول، ومما هُدي إليه البرك والصهاريج والآبار، ولذا نجد الأشكال الثلاثة متواجدة ومتوفرة في القرية ومحيطها.
فالآبار أكثر من أن تُحصى وتعد وهي متواجدة في كل ركن وزاوية في القرية، أما الصهاريج وبالذات الموجودة في عقربا اليوم (وسط القرية، الحصن، الكروم، الطويل، العرمة، قرقفة، القرن...) تمتاز بأنها كبيرة جداً، وأنها محفورة في الصخر ولها قنوات تسوق الماء إليها ولها مدخل واحد وهي محفورة في عمق الأرض، وسعتها للماء كبيرة وعددها كثير وتتوزع في أماكن مختلفة، وإن كانت أكثر ما تكون في الخرب ذات الطابع التي تميل لأن تكون حصناً أو قلعة ( ذا بعد حربي).
أما البرك ففي بلدة عقربا وما يتبع لها من أراضٍ في الغور فإننا نعرف ثلاث برك فقط، وهي في الغالب متشابهة في النمط والأسلوب المعماري، مع تفاوت في الحجم وربما الغرض من إنشائها . وهذه البرك هي: بركة عقربا، بركة خربة فصايل، وبركة خربة الدشه.
وهناك نماذج أخرى للبرك هي أشبه ما تكون بالمسابح منها بالبرك التقليدية، ومنها الموقع الذي كان يعرف باسم (العين الخاربة) وهو موقع أثري كان موقعه غرب البلدة القديمة بالقرب من منطقة المقابر الرومانية، وهو أيضا جنوب العين الغربية (نبع العين) وعلى بعد خطوات منها فقط. وهذه العين (الخاربة) عبارة عن حوض كبير محفور في الصخر ويتم النزول إليه عبر درج منقور في الصخر وعن يمين الدرج غرفة أو مغارة وأخرى عن شماله، ولهذا الحوض أو البركة قنوات تنقل الماء من النبع مباشرة للحوض، وأنا شخصياً من خلال وصف الموقع وطبيعة المكان أميل للقول بأنه كان مسبحاً وليس بركة أو عين ماء والله أعلم.
أما البركة الرومانية في عقربا فإنها تمتاز بِكبر سِعتها ومساحتها (50* 25) متر وتأخذ شكل المستطيل (شرق- غرب)، وقد قيل بأنه في أرضيتها بئر ماء كبير بحيث يخزن الماء في الصيف إذا جف من البركة. وهي مبنية بطريقة جميلة ومتينة وقوية وذلك أن سمك جدرانها بلغ 3 أمتار في الجدار الجنوبي، وقرابة المترين في بقية الجدران. وهي مبنية من الحجر وقد عُمد إلى طلائه بالملاط (القصارة) أكثر من طبقه لمنع تسرب الماء، ولا تزال بقايا الملاط في بعض جنبات البركة حتى اليوم ويظهر من خلالها سُمك هذا الملاط.
أما ارتفاع البركة وعلو واجهاتها عن الأرض فأن القول فيه غير دقيق لأن التراب المُنجرف من منطقة الكروم غطى كثيراً من أرضية البركة حتى أنه تم زراعة أرضيتها بالأشجار، لكن الظاهر اليوم من ارتفاع تلك الجدران هو كالتالي: الجدار الشمالي: يرتفع 7 متر، الجدار الجنوبي يرتفع 6متر، الجدار الغربي يرتفع 7متر ، الجدار الشرقي يرتفع 6متر، وهذا كما أسلفت ليس الارتفاع الحقيقي لوجود كميات كبيرة من التراب. ويقال بأن أرضية البركة مبلطة كلها وهذا مؤكد لمنع تسرب الماء وذهابه في باطن الأرض.
وظلت البركة في عقربا صالحة للاستخدام على مدار سنوات طوال من العهد الإسلامي، وما خربت إلا حين عمد البعض إلى إحداث فجوة في أحد جدرانها، وما يعرف حول هذه الحادثة هو أن عائلة المجالي حين نزحوا من مدينة الخليل سكنوا بلدة عقربا وأقاموا بها سنين طوال قبل أن يرحلوا للأردن، وكان لهم بها دور – لا تزال حتى اليوم تعرف باسم دور المشايخ- ولعل ذلك بدايات العهد العثماني والله أعلم. ولما كانت البركة صالحة للاستخدام ويتم جمع الماء فيها فقد نزل مجموعة من الشباب للسباحة ومنهم شباب من دار المجالي، فغرق أحدهم فعدوا بمساعدة الناس إلى إحداث فجوة في الجهة الجنوبية الشرقية لإفراغ الماء وإنقاذ ابنهم ، ومن يومها والبركة لم تعد صالحة للاستخدام .
وقد حافظت على شكلها المعماري ومكانتها كبركة للماء ولم يتم التغيير والإحداث فيها إلا مؤخراً، حيث جعل لها باب في منتصف الواجهة الجنوبية، وتم زراعتها بأشجار اللوز.
هذا الإرث الحضاري والتاريخي المهم في فلسطين عموماً وفي منطقتنا خصوصاً كان نصيبه من الإهمال والإضرار به كبيراً، إذ لم تحظى البركة الرومانية لا بالتوثيق ولا بالترميم والرعاية، بل تحولت إلى مزرعة للأشجار ثم للأغنام دونما اعتراض أو مبالاة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وهذه البركة وكل الآثار هي ملك عام ولا يحق ولا يقبل من أحد تملكها وبسط السيطرة عليها وادعاء أنها ملك له أو من حقه، فالآثار ملك إنساني عام. ومما يذكر بأنه تم تسجيل كل الخرب والمواقع الأثرية في القرية بأسماء المخاتير سابقاً وذلك كما كان معمولاً به في العهد العثماني وما بعده. وطبعاً شمل هذا الأمر البركة الرومانية وسط عقربا باعتبارها موقعاً أثرياً.
إن حال البركة الأثرية لا يسر صديقاً ولا يُسعد غيوراً، ولذا لا بد من حملة لرعايتها والمطالبة بترميمها وإعادة الاعتبار لمكانتها التاريخية باعتبارها معلماً من معالم التراث المهمة في فلسطين. وهناك طرح يقوده بعض المثقفين في القرية لإنشاء متحف داخل هذه البركة، بحيث يتم تجسيد التراث الشعبي بكامله داخل هذه البركة وذلك بعد ترميمها وعمل اللازم لها، وهذا اقتراح رائع لا بأس بالدعوة والترويج له.
خزانة فلسطين الجغرافية
|
خزانة فلسطين الجغرافية
|
موسوعة الأعلام
|
خزانة فلسطين الجغرافية
|
موسوعة الأعلام
|
موسوعة الأعلام
|
خزانة فلسطين الجغرافية
|
موسوعة الأعلام
|
خزانة فلسطين التاريخية
|
بنك معلومات بيت المقدس
|
بنك معلومات بيت المقدس
|
خزانة فلسطين التاريخية
|
خزانة فلسطين الجغرافية
|
خزانة فلسطين الجغرافية
|
خزانة فلسطين الجغرافية
|