الصنف:
سير
كوكبة من شهداء
كفر ثلث وأعمالها
تأليف:أ.عبد العزيز أمين عرار.
عام 2009
تصويب اللغة:أ.سلامة سليم.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى:((فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب)).صدق الله العظيم
إهــداء
إلى أرواح شهداء فلسطين والأمتين العربية والإسلامية الذين جاهدوا وناضلوا ماضيا وحاضرا .
والى رمز الأمة وقائدها الشهيد صدام حسين الذي وقف وقفة العز والفخار.
وإلى الحريصين على شيوع ثقافة الاستشهاد كطريق لتحير الأمة.
إلى الأكرم منا جميعا أهدي عملي هذا راجيا من الله الأجر والتوفيق.
مقدمة
ولدت فكرة هذا الكتاب منذ 10 سنوات ،حيث عملت بشكل متقطع على تدوين سيرة وتاريخ عدد كبير من شهداء فلسطين والأمة العربية ومنهم شهداء استشهدوا في ثورة 1936_ 1939 وآخرين استشهدوا في معارك 1948 ومعارك الثورة الفلسطينية المعاصرة ،وشهداء كفرثلث وأعمالها _القرى التي انبثقت عنها_،وقد شجعني للقيام بهذا العمل الشعور بأهمية التاريخ كباعث للأعمال المجيدة،ولأخذ العبر،وتجنبا لتكرار الأخطاء،وتعميق الصلة بين الحاضر والماضي،واستشرافا للمستقبل.
ولأن تكريم الشهداء وذكر مناقبهم فيه أجر وثواب؛،لهذا يشكل نشر هذا البحث بداية انطلاقة بإذن الله تعالى نحو قيام الآخرين بسلسلة كتابات تاريخية تشمل مدن وقرى أخرى ، ودافعا لغيري كي يسير على هذا الطريق .
حاولت في هذا البحث اختصار المعلومات وتدوين اليسير منها وحسبما تيسر لي ذلك.
تناولت في هذا البحث التعريف ببلدة كفرثلث وأعمالها في محيطها الجغرافي والتاريخي،ومعلومات مختصرة عن كل شهيد حسبما وسعني الجهد، وخاصة ذوي الشهداء .
يعد موضوع الشهادة أحد المواضيع الشائكة حيث يرتبط بالنية التي يعلمها الله ولا يعلمها البشر، وفي كتابنا هذا نقصد الإجمال فيه، ونحن لا نزكي عند الله أحدا ونحسبهم شهداء بإذن المولى عز وجل .
جاء هذا البحث في عدة فصول وتناولت فيه ما يلي :
الفصل الأول: جغرافية كفرثلث وأعمالها.
الفصل الثاني : السياق التاريخي لقرية كفرثلث وأعمالها
الفصل الثالث : الحياة الاقتصادية في كفرثلث وأعمالها.
الفصل الرابع: سيرُ الشهداء في كفرثلث وأعمالها
الفصل الأول:
جغرافية كفرثلث وأعمالها
الموضع والموقع:
تقع بلدة كفر ثلث العربية الفلسطينية ضمن التلال في جبال نابلس ، إلى الجنوب الشرقي من مدينة قلقيليه وترتفع عن سطح البحر 276م و تبعد عنها 14 كم وهي إلى الشمال الشرقي من اللد على مسيرة 26 كم منها ، و تبعد عن نابلس 27 كم ،وعن طولكرم 26 كيلو متر.
الحدود : يحدها شرقاً دير استيا وغربا قرية حبله وجلجوليا ونهر العوجا ، ويحدها شمالاً قرى عزون وجنوباً قراوة بني حسان، وبديا، وسنيريا (1).
التسمية : كلمة(كفر) بالفتح تعني: البلد الزراعي ،أما الجزء الثاني من هذا الاسم بلفظ الثُلث، رأى بعضهم إن أصل الكلمة بعل شيليشة أي( زوج الثلاث) أو (رب الثلاث) (2) .
كما ذكرتها المصادر الإفرنجية بـ Kefer dil (3) .
تدل الموجودات الأثرية والكتابات التاريخية على قدمها منذ العهد الكنعاني ، كما أنها شهدت عهودا تالية كالعهد العبري والروماني والبيزنطي والإسلامي.
ودعيت تارة باسم (الخربة) أي البلد القديمة بحسب الآرامية ،وخربة كفر ثلث ، ثم كفرثلث.
مساحة الأراضي : امتدت أراضي كفرثلث من خربة شحادة والمحفور وبئر أبو عمار وخربة العيون شرقا من أراضي قرية ديراستيا حتى حبله وأراضي البساتين غرب جلجوليه ونهر العوجة والمويلح وقرية المر(المحمودية) أي بطول يقدر ب13كم، وتنحصر أراضيها بين وادي عزون ووادي الرشا شمالا، ووادي قانا جنوبا بعرض يفوق 4كم وتقف عند أعتاب قرى عزون عتمة وبيت أمين وسنيريا وقراوة بني حسان، وبناء عليه تزيد مساحة أراضيه(4).
وشملت أراضيها السهل والجبل وقد زادت مساحتها في أواخر القرن التاسع عشر عن 56000دونم ، لكن هذه المساحة تراجعت بمرور الوقت لأسباب خاضعة للأوضاع الاقتصادية وأخرى بسبب الحركة والكيان الصهيوني طيلة قرن من الزمان سواء بعد حرب 1948 و حرب 1967 و بناء الجدار العنصري عام 2003و ما رافقه من سلب أراضي الفلسطينيين وحشر قرى الضبعة ورأس طيرة وواد الرشا بداخله (5).
لقد تميزت كفرثلث وخربها بالأرض الواسعة مقارنة بعديد من قرى المنطقة والتي امتدت بطول 14كم وعرض 4كم .
الحمائل التي سكنت كفرثلث :
إن أول من سكنها هم الكنعانيون والدليل على ذلك وجود آبار ذات نمط كنعاني مبلطة بالحجارة والكلس وحصى الوديان ، بالإضافة إلى وجود مغارة الجمل شرقي القرية ، هذه المغارة كان يوجد بداخلها تمثال عروس تركب على جمل واعتقد أن هذه التماثيل كانت صورة لبعض الآلهة زمن الكنعانيين ، لكن التمثال تم تحطيمه بسبب سراق الآثار(6).
وتعد حمولتي الغرابة والأعرجمن أقدم الحمائل التي سكنت القرية في عهد الروم حسب روايات مختلفة تتردد على السنة كبار السن في القرية ، وتقيم في خربة الشيخ احمد ، وخربة المدور ، وقرية سلمان ، وهي تقسم إلى عائلة أبو ذيب وعائلة أبو زقطه، ورزق الله ،ويذكر كبار السن أن حمولتهم عاصرت الروم وأن الناس أطلقوا عليهم كلمة(أروام ) لهذا السبب، مع أن أحدهم ذكر لي أنهم جاءوا من قرية دير جرير وأنهم مسيحيون روم أرثوذكس (7).
حمولة عوده :جاءت هذه الحمولة من قرية حفاصة القريبة من الطفيلة شرق الأردن والجد الأصلي للعائلة يدعي ماضي وان عودة من أولاده ، وتلقب القرية بـ(بني ماضي) نسبة له لشهرته بالشجاعة والكرم ، وتقسم هذه الحمولة إلى عدة عائلات: ومنها: خالد ، عمر ، عيسى ، جابر(8).
حمولة مراعبة :
جاءت هذه الحمولة مرافقة لحمولة عوده ومن نفس المكان،وقيل إن مرعب وعوده اخوين فصلت بينهما بعض المشاكل، والدليل على ذلك إن أراضي الحمولتين متجاورة وكذلك أراضي المشاع الخاصة بالحمولتين (9).
لقد امتدت هذه الحمولة إلى رأس طيره ،ورأس عطيه وجلجولية ،كباقي امتداد العائلات السابقة ، وتقسم هذه العائلة إلى شقير صالح ، شحاده ، عبد الجليل ، أبو غانم .
حمولة شواهنه :
إن جد الحمولة هو شاهين ، ّذكرت بعض الروايات إن هذه الحمولة جاءت من شعفاط بعد خلافهم مع أقاربهم شانهم في ذلك شان عوده ومرعب ، وتقسم هذه الحمائل إلى : أبو غفره خليل ، حسن ،وينسب لها أبو الرز (10).
وهناك عدة عائلات أو أسر أصغر جاءت إلى القرية منها:
الرابي: وهم من العائلات التي كانت موجودة في القرن السادس عشر حسبما جاء في رحلة البكري الصديقي.
الأشقر: يقيمون في كفرثلث وخربة الأشقر وفيهم قيلت روايتان: الأولى ذكرها لي الأستاذ نعيم الأشقر أمين سر نقابة اتحاد المعلمين فرع قلقيلية،والثاني الشيخ الكهل داود الأشقر،حيث روى الثاني أنهم من حمولة الجماعة الغرابة وانفصلوا عنهم بعد خلاف ،أما الأستاذ نعيم فينقل عن أشخاص خالطهم في الأردن أن أقاربهم في منطقة الكرك وعلار وياصيد وأن ثلاثة أخوة حضروا من الأردن وعند قرية جيت افترق عنهم ثالث وأقام في خربة الأشقر ،و يستدل من روايات أخرى أنهم كانوا على علاقة مع عائلة أبو دية من حمولة الجماعة الغرابة وانفصلوا عنهم بعد خلاف.
عائلة الشملة : حيث جاءت من قرية شقبا غرب رام الله ، وينسبون أنفسهم للبراغثه وأقاموا في كفر ثلث وجلجوليه .
دار أبو غنام : جاءت هذه العائلة من قرية رنتية بعد ترحيلهم عنها عام 1948 م، انتقلوا إلى كفرزيباد، ومنها إلى في كفر ثلث وقلقيلية(11) .
عائلة أبو لاوي : هذه عائلة تم ترحيلها من قرية العباسية (12) من قرى يافا وسكنوا كفر ثلث عام 1948 م .
العلاقات الحمائلية :
تعد علاقة القرابة الدموية علاقة صميمية وعضوية تتفوق على علاقة النسب والمصاهرة وتكرس الوحدة الاجتماعية والاقتصادية ويتجلى مظهرها في العائلة الممتدة وكانت هذه الرابطة تشجع على الدفاع عن هذا العضو على طريقة الشاعر الجاهلي :
وما أنا إلا من غزية إن غزت غويت وان لم تغزو أرشدي
وكالعادة تتحرك العصبية الدموية وتثور في فترات متعددة وهي من بقايا العصبية في العهد الأموي كالقيسية واليمنية. وهناك صراعات في نفس العائلة الواحده ويجري تغذيتها من الدول المتعاقبة والمحتلين والسلطات الهزيلة فاقدة السيطرة على السكان، حيث طبقت عبارة (فرق تسد) على قرية كفر ثلث على أكمل وجه في عقود سابقة (13).
تعداد سكان قرية كفر ثلث :
شهدت هذه القرية تزايدا ملحوظا خاصة في العقود الأخيرة حيث بلغ عدد سكان كفر ثلث عام 1597قرابة 150نسمة، وكانوا 14 رب أسرة ،وبلغ عددهم عام 1922م 663نسمة (14) وبلغ عدد سكانها لعام 1931م بما فيهم سكان خربة خريش التابعة لها 955 نسمة كان بينهم 466 ذكرا و489 من الإناث لهم 169 بيتاً وفي 1/4/1945 بلغ عدد سكان القرية 1290 نسمه وفي 18/11/1961م بلغ عدد سكان القرية 1213 نسمه 573 ذكراً و640 من الإناث وبلغ سكان القرية في بداية الانتفاضة لعام 1987م (15) أي بعد أكثر من عقدين ونصف حوالي 3101 نسمه ويقدر عددهم اليوم بـ 4500 نسمه (16) .
القرى والخرب المنبثقة عنها:
قرية رأس عطية : وهي أيضا إلى الغرب من القرية وبلغ عدد سكانها لعام 1997م 1136 شخص وبلغ عدد سكانها لعام 2002م 1250 شخص (17) .
واد الرشا : وهي إلى الغرب من القرية وبلغ عدد سكانها عام 1997م 76 شخص وبلغ عدد سكانها لعام 2002م حوالي 85 شخص (18).
خربة رأس الطيرة : وهي أيضا إلى الغرب من القرية وبلغ عدد سكانها عام 1997م 282 شخص كما وبلغ عدد سكانها لعام 2002م حوالي 310 أشخاص (19) .
خربة ألضبعه: وهي بالقرب من رأس الطيرة وبلغ عدد سكانها لعام 1997م 192 شخص وبلغ عدد سكانها لعام 2002م 210 أشخاص تقريباً (20).
أبو سلمان : وهي تقع إلى الغرب من كفرثلث، وبلغ عدد سكانها لعام 1997م 457 شخص وبلغ عدد سكانها لعام 2002م حوالي 503 نسمة تقريباً(21)
خربة الأشقر: وهي إلى الجنوب الغربي من كفر ثلث وبلغ عدد سكانها لعام 1997م 297 شخص كما بلغ عدد سكانها لعام 2002م 330 شخص تقريباً (22).
المدور: تقع غربي القرية وبلغ عدد سكانها لعام 1997م 157 شخص وبلغ عدد سكانها عام 2002م 173 شخص تقريباً (23).
خربة خريش: إن هذه الخربة التابعة لقرية كفر ثلث هي الوحيدة تم تهجيرها من قبل اليهود في عام 1948م حيث أقيمت على أراضيها مستعمره تعاونية كيبوتس دعيت باسم (حورشيم) وكانت تسكنها عائلات من القرية تقوم بالزراعة وتربية المواشي ومن المعلومات التي حصلنا عليها إن تعدد سكان هذه الخربة بلغ لعام 1945م 70 شخص تقريباً ،وبلغ عددهم 349 نسمة قبيل الترحيل عام 1948 حسب إحصائي لهم (24).
البنى التحتية و الخدمات العامة في البلدة :
النشاط الاقتصادي:
تمتاز بلدة كفر ثلث بنشاط اقتصادي حيث يعمل أبنائها بكد واجتهاد وتواصل متميز يشارك فيه الرجل والمرأة على حد سواء ويشمل القطاع الزراعي والقطاع التعليمي والقطاع التجاري.
القطاع الزراعي:
اهتم أبناء البلدة بزراعة الأرض وفلاحتها وتعميرها باليد العاملة أو الآلات وتشمل: الاشجار المثمرة والخضراوات والمحاصيل الحقلية،ويعد الزيتون أهم الزراعات وقد بلغت المساحة المزروعة بأشجار الزيتون عام 1945 (1590) دونم أما اليوم فهي قرابة 14000دونم في عام 2009،وقد شملت الأراضي السهلية والمرتفعات الجبلية، وأن المرء ليفخر من جهد هذه البلدة التي كان أهلها يعملون عند أبناء القرى المجاورة في قطف الزيتون بينما لا يقل متوسط انتاج الأسرة اليوم عن 500 كغم من الزيت ويهتمون بالخروب الذي تنتج منه القرية وأعمالها ما يزيد عن 100 طن ناهيك عن اللوز والتين.وتم زراعة أصناف جديدة من الأشجار المثمرة والفواكه مثل القشطة وافوكادوا والأناناس ،وزراعة الدفيئات،
وقد اعتمد أهالي البلدة في العهد التركي على الإنتاج الزراعي والحيواني وفي العهد البريطاني عمل البعض في الوظائف الحكومية والعمل في مزارع ومستوطنات اليهود والبعض الأخر عمل في التجارة ،أما في العهد الأردني اهتم أبناء البلدة بالعمل الزراعي وتعمير الأرض وفلاحتها وزراعة البيارات وحفر الآبار الارتوازية ،حيث حفرت ثمانية أبار ارتوازية في خرب الأشقر وسلمان والمدور والشيخ أحمد ورأس عطية في حين حرمت البلدة الأم من حفر الآبار الارتوازية بسبب حرب 1967.
التعليم :ويوجد في البلدة نحو أربعة مدارس تتوزع بين الذكور والإناث وتشمل مراحل التعليم المختلفة ولأهمية التعليم في كفر ثلث الثانوية تستقطب العديد من أبناء القرى المجاورة وان توفرت لديهم مدارس ثانوية في قراهم .
الثروة الحيوانية :
يدخل في اهتمامات سكان البلدة تربية الثروة الحيوانية من أبقار وأغنام وحمام ودواجن في عمل دءوب لتعزيز الاكتفاء الذاتي وقد وصل عدد الأغنام حوالي 10000راس إلى جانب 40000طير من الدواجن اللاحم والبياض عام 1998م ولكنها انخفضت هذه الإعداد بسبب تأثيرا جدار الفصل العنصري الذي ابتلع ما يزيد على 2000دونم من أراضي البلدة.
القطاع الصناعي:
تأخر هذا القطاع بسبب تأخر وصول الكهرباء القطرية للبلدة وحرمانها منها حتى عام 2007 وفي القرية توجد بعض الورش البسيطة كالمحادد والمناجر ومشاغل الخياطة واستيعابها للقوى العاملة قليل وهي لا تتعدى خمسون عاملا وعاملة.
القطاع التعليمي:
تعد بلدة كفر ثلث وخربها واحدة من منارات التعليم المهمة في الوطن باهتمامها بالتحصيل التعليمي، ويعمل حالياً في سلك التربية والتعليم ما يزيد عن 220معلما ومعلمة ثم اثني عشر مشرفا تربوياً يعملون في مديرية التربية والتعليم علاوة على العاملين في القطاعات الأخرى ، وقد زاد عدد الحاصلين على الشهادات العلمية الجامعية العليا والمتوسطة عام 2008عن 650 شهادة منهم 46 ماجستير ودكتوراه.
المؤسسات الأهلية والخدمية في القرية :
يوجد في بلدة كفر ثلث العديد من المؤسسات شبه الرسمية والأهلية والتي تعمل من أجل خدمة أبناء البلدة وهي:
المجلس البلدي:
عمل المخاتير في إدارة شؤون البلدة وكان المختار عنوان السلطة في عهود مختلفة كالعهد العثماني والبريطاني والأردني والإسرائيلي وذلك بين عامي 1858ـ1994م وانتهت المخترة بعد تسلم السلطة إدارة المؤسسات الفلسطينية.
أسس أول مجلس قروي في كفر ثلث عام 1965م وتم تحويله إلى مجلس بلدي بتاريخ 11/6/1997م (1) ،وتشكلت البلدية من سبعة أعضاء ومنهم الرئيس ،وقد أخذت البلدة مسمى بلدية في عهد السلطة الوطنية على اعتبار الحجم السكاني هذا بالتزكية والاستفتاء الشعبي منذ عام 1995.
وتعتمد في مشاريعها اعتماداً كلياً على ما تقدمه الدولة المانحة وتساهم البلدية بالنسبة المطلوبة منها من خلال التمويل الذاتي لديها، م ،وقد اهتم المجلس البلدي بتقديم خدماته ، وقطعت هذه البلدية شوطا في مجال الخدمات وذلك في الفترة الممتدة بين عامي 1997م ـ 2007 .
وهذه أحوال الخدمات في الفترات الآتية :
الفترة الأولى : وتمتد من عام 1858ـ 1956 يحكم القرية المخاتير الذين لا دخل لهم في تقديم الخدمات وتحسينها وينصّب جهدهم على تسجيل المواليد والوفيات وإدارة شؤون القرية .
الفترة الثانية :1965-1974م: وفيها قام المجلس القروي والمخاتير بعمل عيادة طبية وهاتف عمومي وبناء غرف صفية، ونقل المدرسة من التعليم الأساسي إلى التعليم الإعدادي وإنشاء مدرسة لتعليم البنات .
الفترة الثالثة : وتمتد بين عامي 1974- 1994،حيث جرت انتخابات محلية وانتخب مجلس محلي في كفرثلث و أضيف له المختارين كأعضاء ،وفي هذا العهد أضيفت غرف صفية وأنشئ مشروع كهرباء للقرية بعد أن تم شراء مولدات كهربائية عام 1979 تناسب حاجة البلدة وجرى تعبيد طرق داخلية وتأسيس جمعية خيرية في عام 1985،ولكن أحوال القرية الخدمية لم تكن بمستوى القرى المجاورة ومتأخرة عنها.
الفترة الرابعة : تمتد ما بين عامي 1995- 2004 . جرى استفتاء شعبي في كفرثلث بجمه الهويات والتواقيع من خلال قائمتين عائليتين ،وجرى تعيين مجموعة أعضاء ورئيس بتكليف من وزارة الحكم المحلي ،وتم إضافة غرف مدرسية جديدة وتعبيد طريق كفرثلث ـ الأشقر والمدور، وشق عدد من الطرق الزراعية بالتعاون مع الإغاثة الزراعية وجمعية كفر ثلث الخيرية والمجتمع المحلي وبناء مدرستين أساسيتين إحداهما للذكور والأخرى للإناث، وتعبيد بعض الشوارع وتوسيعها كالشارع الرئيسي.
الفترة الخامسة : جرت في هذه الفترة انتخابات محلية حامية الوطيس بين كتل عشائرية وعائلية وباسم الحزبية والوطنية أحيانا ،وفق النظام النسبي وتحديد كوته للمرأة ، وُشكل المجلس البلدي من 9 أعضاء من كتلتين انتخابيتين ، وبعد مدة استقالت إحداها والمكونة من 4 أعضاء.
كانت هذه الفترة حافلة بالإنجازات، حيث تم تجهيز الشبكة الداخلية للمياه وخزان المياه 2006، ومد شبكة الكهرباء القطرية للبلدة عام 2007 حيث أعاق الاحتلال تحقيق ذلك لفترة طويلة.وجرى ا فتتاح مركز شرطة في صيف عام 2008 .
ورغم أن كفرثلث حققت في هذه الفترة تقدما ملموسا في مضمار الخدمات والتعليم والزراعة بصورة متميزة إلا أن أهل الحل والعقد والربط وعلى رأسهم رئيس وأعضاء المجلس البلدي والوجهاء والكوادر في فصائل العمل الوطني في هذه البلدة لم يكونوا بمستوى النهوض الحقيقي والقضاء على ترسبات التخلف من عصبية وعشائرية وعائلية، ولا كانوا قادرين على لجم حالة الفوضى والزعرنة التي سادت البلدة في أعوام 2004ـ 2007حيث عانت منها ـ شأنها شأن أبناء الوطن ـ والغريب أن حالة التسيب والفلتان والفوضى والعصبية العائلية المقيتة التي غابت عن القرية منذ عام 1946عادت من جديد مستفيدة من الأجواء المسمومة ومنها :استغلال البعض لمواقع نفوذهم ومن تراجع في القيم العربية الأصيلة وتهتك النسيج الاجتماعي،وقد استغل المتنفذون في بعض الأجهزة والتنظيمات نفوذهم وراحوا يمارسونها بصورة سلبية ومقيتة وبعيدة عن المهنية،وترافق ذلك الدور مع مقدمات ونتائج للانتخابات وفهم خاطئ للديمقراطية ،واستغلال العملاء والجواسيس لهذا الواقع المريض وتأجيجهم للخلافات والمشاكل وغياب الرجل الرشيد وكانت الحصيلة أعمال فوضوية ودموية وردود أفعال جّرت فاجعة كبيرة سقط فيها خيرة من شباب كفرثلث حيث كان الشاب المناضل كمال قاسم مراعبة ضحية لها في (28/3/2008م).
مساجد القرية :
تطورت النظرة للدين والتدين بصورة أقوى وأوسع من السابق ،ففي العهد العثماني كان الجامع العمري مهملا ويربطون فيه الدواب ، وكان مرتادو جامع الشهداء قلة في العهد الأردني والإسرائيلي حتى عام 1987 ،وبعد انتشار الحركات الدينية وظهور الصحوة الدينية زاد إقبالهم على صلاة الجماعة وبناء المساجد والتوسع فيها ،حيث أنشئ بالقرية ثلاثة مساجد منها : مسجد عمر بن خطاب ،حيث يتسع ل600 مصلي ومنها الجامع القديم ،حيث يتسع 200 مصلي ومنها مسجد عمر بن عبدالعزيز، والذي يتسع لـ300 مصلي .
علماً أن مسجد كفرثلث الذي بني عام 1924 الذي يقع وسط القرية يتسع 60 مصلي وجرى تحويله للنساء ثم أهمل، ومنها مقام المغازين الذي يعتقد انه كان مسجد .
جمعية كفرثلث الخيرية:
نشأت فكرة تأسيس الجمعية الخيرية عام 1984م ،وأسست هيئة إدارية مكونة من ثلاثة عشر رجلا بعضهم من أعضاء المجلس القروي .
وفي عام 1985م تم بناء مقر للجمعية الخيرية بمساحة 210م،وبتكلفة مالية مقدارها 10000دينار أردني وفي شهر 11/1985م ،افتتحت روضة أطفال،وبقيت تمارس نشاطها حتى اليوم .
وقد أسهمت الجمعية في تقديم العديد من الخدمات وأهمها في مجال الطفولة المبكرة حيث تم تخريج 24 فوجا من أطفال الروضة واهتمت بتطوير واقع المرأة والشباب وقدمت خدمات متنوعة في مجالات الصحة والزراعة والاغاثة والتوعية الثقافية والتربوية.
وتناوب على رئاستها كل من :عادل أحمد جابر وبسام أحمد شواهنة،ومحمد رشيد عودة،ووائل عزت مراعبة،وكمال عبدالهادي عيسى، وعبدالعزيز أمين عرار .
ويجري اختيار الهيئات الإدارية تارة بالانتخاب وتارة بالتزكية وشكلت مجالا تنافسيا بين أبناء القرية عدة مرات.
..........................................
1-الدباغ ، مصطفى ، الديار النابلسية ، ج2 ، ق2 ، الدار الطليعة ، بيروت ص394
2-دائرة الإحصاءات المركزية عام 1987م
3- أوراق خاصة في بلدية كفر ثلث
الفصل الثاني
السياق التاريخي
لقرية كفرثلث وأعمالها
الجذور التاريخية للقرية وأعمالها :
كفر ثلث زمن الكنعانيين :
شهدت كفرثلث العهد الكنعاني وورد ذكرها في الآثار المصرية ، ولقد دلني وجود آبار كنعانية فيها على قدمها وهذه الآبار تم تبليط أرضيتها بالحجارة والرمل المخلوط بالشيد وحصى الأودية وربما تعود بعض المظاهر الدينية ومنها الصنم الذي كان موجودا في مغارة الجمل وبعض الكتابات الجدارية التي كتبت والعروس التي كانت تركب الجمل إلى هذا العهد وربما كان الأقرب للصحة أنها كانت مغارة يتعبد فيها الكنعانيون الذين اتخذوا أعالي الجبال والتلال أماكن للعبادة ، ومنها : " الزاقورات " للعبادة وربما يرتبط أسم (بعل شليشه ) بالإله بعل إله الكنعانيين المشهور وأما العروس فربما كانت عشتار إلهة الخصب والنماء خاصة إذا علمنا أن تسمية القرية بهذا الاسم تعني : ( رب أو زوج أو سيد الثلاث ) حسب اللغة الكنعانية وجميعها تفيد نفس المعنى (1).
والجدير ذكره أن هناك حكايات ترتبط بهذا الاسم ومن هذه الروايات التي تشبه المعجزة في عهد الأساطير والتي تقول أن أناسا كانوا يحملون عروسا على هودج جمل وقد عبروا الجبال وصعدوا الوادي إلى مغارة الجمل ولما وصلوا قمة الجبل قالوا : صعدنا الجبل بإرادتنا وعزمنا لا بعزم الله وكانت النتيجة البائسة أن الجمل والعروس ومن معهم أن مسخت صورهم إلى صور على جدار المغارة فأما الجمل فانقلب صخرة والعروس تمثال يركب الجمل ، وتحكى رواية أخرى أن الكفر والإلحاد كان بنسبة الثلث في هذه المنطقة دون القرى والبلدان المجاورة فهو بنسبة الثلث من مجموع الإلحاد فيها (2) .
وتقول رواية ثالثة أن ثلاثة نساء جاءت من قرية ديراستيا شرق كفر ثلث فاقتربت من قرية جينصافوت فسميت هذه القرية بهذا الاسم ، وهنا اختارت إحداهن الإقامة في هذه القرية وبقيت اثنتان وتزوجت الثانية في قرية كفرلاقف حيث تلقفتها المعروفة اليوم بهذا الاسم في حين بقيت الثالثة فكان محل قامتها في كفر ثلث ولأنها واحدة من الثلاثة دعيت القرية بهذا الاسم (4) .
من خلال الروايات السابقة نستنتج أنها تدلنا تعلى قدم تاريخ القرية وطالما أن المؤرخ لا تهمه الأساطير بقدر ما تهمه الوثائق والموجودات وعليها تقاس النتائج فإن الباحث يميل للقول أن كفر ثلث كنعانية والدليل على ذلك آثارها الكنعانية ذات الطابع الكنعاني ومنها: الآبار والمذابح المسقوفة ببلاطة يبلغ سمكها 20 سم ومساحتها متر مربع،وقد شاهدتها في بعض مواقع القرية ( 5) .
و تقع ضمن أحواض كفر ثلث خرائب كثيرة ومنها: خربة الزاكور(اللفظ العامي للكلمة) الزاقورة وهي المكان العالي المرتفع على جوارها وبها مغارات قديمة كبيرة وآبار وقد ذكرت بعض الروايات أنها تعود للعهد الكنعاني وقد سكنت في عهود مختلفة ولكن دون تواصل( 6) .
ويظهر أن كفرثلث كانت موجودة في زمن الاحتلال اليهودي القديم لفلسطين ، حيث ورد ذكرها في العهد القديم بعد أن ضاعت أتن قيس بن شاؤول وبحث عنها في أرض شعليم من جبل أفرا يم وعبر أرض بعل شليشه فوجدها في مكان آخر(7).
وفي سفر الملوك الثاني الإصحاح الخامس نجد حادثة أخرى تروي لنا " أن رجلا جاء من بعل شليشة وأحضر لرجل الله خبزا باكورة عشرين رغيف من شعير وسويقا في جراب . فقال أعطي الشعب فيأكلوا لأنه هكذا قال الرب يأكلون ويفضل عنهم، فجعل أمامه فأكلوا، وفضل عنه حسب قول الرب " (8).
نستنتج من النص الوارد أعلاه أن كفرثلث وجدت في العهد العبري القديم رغم أن الروايتان ينقصهما الوضوح أما في العهود اللاحقة فلم أعثر لأي ذكر يتناولها.
كفر ثلث زمن الرومان:
إن هذه القرية عاصرت الرومان والدليل على ذلك الآثار والزيتون والخرائب حتى أن بعض الحمائل تنسب لهذا العهد ، وتوجد مجموعة من القبور تعود لهذا العهد (9).
وهناك أيضا بئران يوصلان ببعض حيث كانت تستخدم لخزن الزيت ويكثر في أراضيها مجموعة من الخرائب الشاهدة على العهد الروماني ،ومنها : خربة الخراب والبياض وخريش والبساتين ورأس طيرة،وكانت تصلها طريق تربط نابلس مع يافا وتمر من خربة كفرقرع ورأس طيرة.
وأذكر أن بعض التوابيت المصنوعة من الحجر الصلد عثر عليها في أحد المغارات وقد شاهدتها عام 1967 ،هذا ناهيك عن الاسرجة الفخارية التي تعود لهذا العهد والأنابيب الفخارية التي وجدت في خرب قريبة منها وبعض آبار جمع المياه وأشجار الزيتون المنسوبة لهذا العهد .و تقع أثار كثيرة في جنبات كفر ثلث تظهر فيها سمات العهد الروماني وان بعض الموجودات فيها تعطي أدلة على أنها شهدت هذا العهد أو وجدت فيها ومنها ما يلي :
خربة الخراب (خربة أبو شرفة):
تقع على بعد 2 كم شمال كفر ثلث . وجدت فيها قطع نقدية تعود للعهد الروماني البيزنطي ووجدت بالغرب منها مغارات ومقابر تعود إلى هذا العهد وهي المسماة بـ "الفسد قيات " وقام لصوص الآثار بحفر الخربة ومغاراتها وعثروا على قطع أثرية مختلفة وغيرها من النقود،وثبت أنها تعود للعهد الرومان البيزنطي ،وليس صحيحا ما يشاع أنها خربة يهودية وبها جامعة عبرية في عهد لم يعرف المدارس،وفي هذه الخربة وجدت بعض الآبار التي استغلها السكان في سقي المواشي وبالقرب منها مقبرة صخرية مكونة من أربعة قبور وجرى حفرها (10).
خربة البياض : تقع غرب كفر ثلث على بعد 800 م تقريباً فيها آبار ومغارات،ولكنها ليست بمستوى خربة كفر قرع في طابعها العمراني والحضري القديم .
خربة البساتين : تقع إلى الجنوب الغربي من كفر ثلث بجانب قرية الأشقر فيها آبار وشقف فخار وصهاريج أنابيب ويظهر أنها تعود للعهد الروماني .
خربة الزاكور : خربة تقع على مرتفع من الأرض تقع إلى الغرب من كفر ثلث اغتصبها اليهود عام 1948م وطردوا أهلها وقد سكنتها حمولة الغرابة من أبناء كفر ثلث فيها مغارات وبيوت و آبار وبرك .
خربة كفر قرع : وتقع إلى الشرق من كفر ثلث على بعد 1 كم ،وفيها مسجد مدمر ومقبرة و آبار ومغارات وبرك يظهر أنها كانت في العهد الروماني وبلطت ساحتها بالفسيفساء،هذا ناهيك عن العملات الرومانية والإسلامية التي كشفت في المكان وبعضها يعود إلى زمن صلاح الدين ، وقد تعرضت الخربة للتدمير في القرن السابع عشر على وجه التقدير بعد خلاف مع أبناء بلدة كفر ثلث وهاجر أهلها إلى موقع خربة كفر قرع الحالية في المثلث الشمالي . ولقد جرى حفر الخربة ليلا وسرقة آثارها من اللصوص كالعادة (10) .
خربة عبد الرحيم : يوجد فيها جدران وبعض الآبار .
خربة خريش :
وهي تقع غرب كفر ثلث وقد تعود هذه الخربة للعهد الروماني ، حيث أمكن الاستدلال على ذلك من الآثار الرومانية فيها حيث توجد بركة أثرية استخدمها السكان في الشرب وقدرت مساحتها ب 3555 دونم ثم عثر السكان على قطع نقدية أنتيكا تعود لهذا العصر (11) .
خربة رأس طيرة:
فيها مغارات وصهاريج تعود للعهد الروماني البيزنطي ولكنها ليس ذات تنظيم جيد
ويظهر أن كفرثلث شهدت إقامة قبائل عربية منذ العهد الروماني وأن من أقدم العائلات في كفر ثلث الغرابة وآل أبي الأعرج الذين سكنوا في هذا العهد وحيث أشارت الروايات أنهم " قرارية " أي جذورها الأصلية .
دخلت فلسطين في العهد العربي بعد معركة اليرموك وبيت المقدس عام 636م وخضعت البلاد للحكم العربي الإسلامي .دخلت كفر ثلث كباقي القرى العربية في الدين الإسلامي وبني بها "الجامع العمري" الذي زالت آثاره بسبب الإهمال عام 1924،حيث جرى بناء جامع آخر في وسط القرية قرب مضافة شجرة التوت ونقلت حجارته للمسجد والبيوت المجاورة(12).
ولدى البحث عن كفر ثلث في العهد الصليبي وجدت أنها دعيت باسم
(كفر ثلث)وفي زمن المماليك قام الظاهر بيبرس بإقطاع "خربة المنطار " الواقعة غرب كفر ثلث على بعد 5و1 كم لعز الدين اتابك الفخري, وكانت من جملة الإقطاعيات التي اقطعها لقواده في فلسطين ومنها حبله وخربة برنيقيا (13).
مر ذكر كفرثلث في الدفتر العثماني عام 1596 حيث أشار كاتب الضريبة أنها دفعت الضرائب عن عدد من المحاصيل منها : القمح والشعير ودفعت عن الثروة الحيوانية واستحقت الضريبة على 13 رب أسرة وشخص أعزب وبلغ مجموع ما دفع 3500 قرشا (14) .
ونسب إلى خريش محمد بن أحمد الخريشي الحنبلي الذي كان والده بناء ودرس في الأزهر وأقام في القاهرة مدة طويلة ودرس وأفتى فيها ثم قدم إلى القدس ونابلس وتوفي سنة 10001 هـ / 1593 م وكان له ولد دعي إسحاق كان عالما عاملا أخذ العلم عن والده وعمل إماما بالمسجد الأقصى ، وكان إليه النهاية في علم القراءات العشر حسن الصوت والأداء لا يمل من سماعه توفي سنة 1035 هـ (15) .
ويتحدث الرحالة بكري الصديقي الرحالة السوري الصوفي الذي تجول في فلسطين أواسط القرن السابع عشر ونقل عنه أحمد سامح الخالدي في كتابه أهل العلم والحكم في الريف الفلسطيني أنه كتب " كدينا السير إلى كفرثلث ذات المير وزرنا الشيخ علي الرابي ومعنا كوكبة من أصحاب الود الكاوي ودخلنا الغابة ليلاً خوفاً من الطير " ( 16) .
من خلال النص نستنتج أن كفرثلث أقامت فيها عائلة الرابي ـ أجداد عائلة العالم ـ وهي عائلة سكنت ديرغسانة والزاوية وسنيريا وجلجولية وعرفت بالتدين والصوفية والطير هو أن العرب كانوا يخافون التطير والتشاؤم من بعض الطيور، وربما كانت البومة واحدة منها
أما أصحاب الود الكاوي فهم رجالات الصوفية الذين يتصلون بالله ويعشقون الذات الإلهية .
حوادث تخريب كفر قرع والزاقور:
تقع خربة كفر قرع، ضمن أراضي كفر ثلث إلى الشرق منها، بينما تقع الزاكور ضمن أراضيها إلى الغرب.
تعرضت كلاهما للتدمير من قبل أهالي كفر ثلث؛ ولأسباب مختلفة، مما أثر على توزيع سكان كفر ثلث، وامتدادهم وتنقلهم. وحول أسباب تدمير خربة كفر قرع، تقول الرواية التي يجمع عليها أبناء كفر ثلث، ويحفظها الكبار عن ظهر قلب:
كان أهالي كفر ثلث يتوجهون إلى مدينة نابلس للبيع والشراء، وأثناء مرورهم بجوار كفر قرع التي تسكنها عائلتي الفراعنة والعثامنة.كانوا يتعرضون لمضايقات هاتين العائلتين، فيصادرون حميرهم، التي تحملهم ويثيرون مشاعرهم بقولهم:
يلي إحمارتك مالك عليها غيرة نقل القرع يهريها.
وتضايق أهالي كفر ثلث، وثاروا لكرامتهم، وحرضتهم نسائهم، وتعرض بعضهم
للتوبيخ من كبار السن في القرية، وتشاور الناس في الأمر، وأشار عليهم شخص يدعى بشير جد آل الأعرج في كفر ثلث، والضيعة، وعزون بترتيب حيلة، يتخلصون فيها من أهالي كفر قرع.
ادعى انه مضطهد، وفر طنيبا إلى أهالي كفر قرع، وبعد فترة من مقامه في كفر قرع، صار يفُسد فيها ، ويسمم علاقاتهم، حتى جاء يوم جمعه، وساعة صلاة الظهيرة، اشتبكت عائلات كفر قرع بالعصي، والفؤوس، والخناجر، والأيدي.
وقام بشير الأعرج بإغلاق الباب عليهم، وشاركه شخص آخر في حيلته، و صعد على الجامع، ولوح لأهالي كفر ثلث براية.
يظهر أن الخطة كانت محكمة التنفيذ، و خطط لها سلفا، وهب أهالي كفر ثلث يحملون فؤوسهم وعصيهم، وسيوفهم وخناجرهم، ودمروا الجامع على من فيه، وحصدوا الكثيرين منهم، وفر الباقون من الرعاة والنساء والأطفال إلى شمال فلسطين، وأقاموا في قرية كفر قرع في منطقة المثلث(17) .
وانتهت هذه الخربة من الوجود، التي قدرت مساحتها بما يزيد عن عشرين دونما، وفيها آبار باقية، ويستعملها الناس في سقي دوابهم ومزروعاتهم، و بعد تهجير وترويع أهلها، تقاسمتها عائلات كفرثلث فيما بينها.
بعد جولات قمت بها، وتقّصي أخبارها وآثارها، وجدت أن فيها آثارا تعود للعهد الروماني، وأخرى للعهود الإسلامية، ولقد باع بعض السكان إلى تجار الآثار عملات تعود لعهد السلطان صلاح الدين الأيوبي،وأخرى عباسية، ولكن السؤال المحير متى دمرت هذه الخربة ؟!.
لم أجد أي كتابة أو تدوين حولها، رغم أنها تروى حتى اليوم على لسان أبناء كفرثلث وعزون وكفرقرع .
أعتقد أنها دمرت في بدايات القرن السابع عشر، بدليل أنها كانت قائمة عام 1596، وذكرها كمال عبد الفتاح في كتابه جغرافية بلاد الشام، المأخوذ عن دفتر الضرائب العثماني، وهو دفتر للضرائب الحكومية، وفيه ذكرت جميع قرى فلسطين التي دفعت ضرائب مهما كان حجمها،كما أن قرى كثيرة دمرت في هذا القرن بسبب الخلافات والمساجلات والتسلط القبلي والقهر الاجتماعي ، وغياب السلطة المركزية القوية، و تسلط الأقوياء على الضعفاء، ومن هذه الخرب خربة نجارة قرب عزون بن عتمة وخربة بيت جفا قرب قرية صير وغيرها.
توجهت إلى شيخ كبير وطاعن في عام 1974 بسؤال عن تاريخ مذبحة كفرقرع فقال: "أنها لم تحدث في عهد أبي، ولا حدثت زمن جدي، وأذكر أنني سألت محمد موسى الذي عمر أكثر من مائة وعشر سنوات، فقال هذا لا أتذكره، ولا حدث زمن أبي"(18).
بعد زوال القرية، وهروب سكانها قام أبناء كفر ثلث بتقسيم أراضيها بينهم، واستطاعوا الوصول إلى عيون كفر قرع شرقا وأخذوا يستخدمون هذه العيون في سقي دوابهم، ونقل جرار الماء على رؤوس النساء، وعلى الحمير إلى بيوت القرية لغرض الشرب.
لم يقتصر غياب السلطة على هذه الحادثة الفاجعة، بل جرت حوادث أخرى.
ففي تاريخ لاحق من العهد العثماني في المنتصف الثاني من القرن الثامن عشر، توجه حسن خالد عودة للتعزيب في خربة خريش، وكان يمر في وادي قانا قرب خربة الزاكور، التي سكنتها الجماعة الغرابة، ومنهم زقطة، وأبو ذيب.
وحاول هؤلاء منعه من المرور من ذاك الوادي ؛ فعقد العزم أن يفسد بينهم، ونجح بعد مدة من الزمن في إفساد علاقتهم باختلاق قصة ،فكان من نتائجها أن احتدمت معركة بينهم بالخناجر والسيوف، و تكررت الخلافات بينهم، ومزقتهم الطوش والمساجلات.
التوطن البشري في خريش:
أسهمت بلدة كفر ثلث في توليد ما يزيد عن ثماني قرى وخرب كان منها: خربة خريش، ورأس عطية،هنا سأتناول خربة خريش التي دمرها اليهود، وحتى لا تمحى من الذاكرة، ونظرا لأهميتها لأبناء كفر ثلث قبل عام 1948 م.
قام أبناء كفر ثلث بالتعزيب في فصل الصيف في موقع " الهدفه " جنوب خريش، وكان ذلك في النصف الأول من القرن الثامن عشر.
وشملت حركة التعزيب هذه أشخاصا ومنهم :مرعب، وخالد، وعرار، وبعض أفراد الجماعة الغرابة، وكان هدفهم من الإقامة، حتى يستغلوها صيفا في زراعة محصول الذرة، ورعي الدواب، ويرجعون قبيل الشتاء إلى كفر ثلث للإقامة في مساكنهم، ورعي مواشيهم في الجبال، ولكن مشقة السفر والترحال، جعلتهم يفكرون بالإقامة فيها.
وبعد أن استقرت الأحوال السياسية والاجتماعية، حيث زال خطر نابليون بونابرت، الذي قتل خلقا كثيرا في مدينة يافا، ونشر الرعب في منطقة السهل الساحلي، أخذ الناس يميلون إلى الاستقرار هذه المرة، إلى جانب حدوث خلافات مع الآخرين، مما كان يسبب هجرتهم.
تبعتها ظروف أخرى خاصة بمن هاجروا إلى خريش والزاقور، وكان ممن فكر بالتعزيب في خريش كل من: عرار وأولاده ( موسى وصالح وصلاح، وعبد الحفيظ، ومحمد)، ومن بعده سعيد موسى عبد السلام، والحاج محمد حسن شواهنه، وغيرهم ممن جاءوا تباعا حتى عام 1948.
يعتبر موسى عرار عمر عودة أول من توطن في خريش بصورة دائمة، وانتقل من العزبة القبلية إلى موقع خربة خريش القديم.
استقر موسى العرار في المنتصف الأول من القرن الثامن عشر، واستخدم مغارتها لمبيت الأبقار والأغنام.
وقد هاجر إليها لسببين وهما :
غرق العيد من أقاربه في مال الربا لمصلحة أحد المرابين من قرية مجاورة قربها من نهر العوجا وبئر أبي العون ومصادر أخرى ،وكانت خصوبة الأرض في السهل الساحلي، وحاجتهم لزراعتها بمحصول الذرة البيضاء وغيره من المحاصيل، ووفرة الإنتاج تدفع باتجاه الاستقرار فيها،ووجود 3 مغارات كبيرة تسهل التعزيب فيها.
وأقدر أن هذا الزمن كان قرابة عام 1820، وبعد استقراره تبعه أخوته صالح، وصلاح، وعبد الحافظ(19)
كانت بلدة كفر ثلث شأنها في ذلك شأن قرى ومدن فلسطين من آثار التخلف العثماني وأحوال هذا العهد السيئة ففي عام 1852 دمرت كفر ثلث بسبب الحرب الأهلية بين العائلات الفلسطينية وخلاف زعماء الإقطاع ومنهم آل ريان وأل القاسم كذلك تجنيد الشباب للحرب اليمنية وثورة الشعب اليمني ضد الدولة العثمانية أو حروب الدولة العثمانية في مناطق روسيا وتأثرت بالأحوال السياسية السيئة .
لقد اضطهد الإقطاعيون أبناء كفر ثلث إلى الحد الذي نهبوا فيه محاصيل الفلاح و كان للإقطاعي المتنفذ عبد الهادي القاسم دور كبير في فرض الضرائب الكبيرة على السكان مما دفع أخيرا لثورة كفر ثلث ونجحوا في الحصول على فرمان عثماني بعزله .
ويظهر أن الدولة العثمانية أظهرت ميلاً إلى جانب عبد الهادي القاسم، الذي ثار والده قاسم الأحمد على إبراهيم باشا، وربما غذت الصراعات بين الفريقين، كما فعلت في جبل الخليل بين العائلات المتنقذة في تلك المنطقة.
وهذه هي عادة الحكومات الأجنبية سياسة فرق تسد، وتعمق الخلافات بين آل ريان وآل القاسم حول زعامة المنطقة، وامتد إلى حمائل وعشائر هذه القرى، وانقسمت على نفسها.
ضمن التحالفات الأنفة الذكر ،انحازت إلى صادق ريان حمائل: آل عوده، والجماعة الغرابة في كفر ثلث، و الديك في كفر الديك، وشبيطة في عزون، وعوده في حبله.
وتحالفت حمائل: الشواهنه في كفر ثلث، ورضوان في عزون، ومرداوي في حبله، إلى صف آل القاسم، كان من نتائج هذا الانقسام والمساجلات والطوش تدمير كفر ثلث في عام 1852.
حدثني محمود عبد الله عن تدميرها، وهجرة أهلها إلى الزاكور والواد القبلي، وذكر لي أن دير استيا،وعدد من القرى الفلسطينية دمرت في ذلك العام.
وبعد بحث في كتب التاريخ، وجدت تطابقاً بين الروايات الشفوية، وبين مصادر إنجليزية، فيما ذكرته بعض المصادر المهمة، حيث زارت بعثة أثرية بريطانية كفر ثلث ووجدتها مهجورة من السكان وخربة (20).
تصرف الضامن في فرض المبالغ الضريبية المستحقة، كيفما يشاء، وهو يجمع الضرائب العشر ومنها: ضريبة العشر، وضريبة الويركو، وضريبة المسقفات.
وقد فرضت الأولى على محصول القمح والشعير وسائر الحبوب، في حين فرضت الثانية على الحيوانات، والثالثة على العقارات والبيوت.
كان الضامن يأخذ المنطقة بالمزايدة، ويدفع المبلغ المطلوب منه للدولة العثمانية، و يأخذ زيادة عليه، ثم يبتز الفلاحين، وينهب أراضيهم، و بعد أن يعجز الفلاحون عن دفع الضرائب، يقوم بابتزازهم برهن أراضيهم. عندما يعجز الفلاح عن دفع المبلغ سواءً أكان عينا أو نقداً، يلجا للضامن، الذي يقدم له مالاً ويرتهن الأرض حتى يعجز المديون عن دفع الضريبة المستحقة عليه، فيضطر للتخلي عن أرضه سدادا لدينه، وتصير الأرض ملكاً للضامن.
و قام الضامن أو السيد شبه الإقطاعي بفرض حالة الترويع على السكان، بعد مجيئه، ومعه فرسان الأصبهيه (جامعوا الضريبة)، ثم الطلقجيه ( الخيالة المسلحون )، وهؤلاء كانوا عونا له، وعونا للجاندرمة ( الشرطة التركية).
ويقوم الضامن بإرسالهم بغرض القبض على الأشخاص، الرافضين لدفع الضرائب، أو الهاربين من التجنيد الإجباري في الحروب المختلفة، مثل: اقتيادهم إلى حرب اليمن، ويقف المخاتير في صف الضامن، المتنفذ في سلطته.
ويروي داود الأشقر للباحث في مقابلة جرة صيف عام 2008" انتقل دور عبدالهادي القاسم من جامع ضريبة ومحصل، إلى حاكم فعلي للمنطقة.وكان قد ضمن المنطقة ل5 سنوات باتفاق وورقة مع أبناء كفرثلث وخربها , ولكنه تحايل على بعضهم وأخذها منهم، وامتدت إلى 30 سنة،و لقد خلق من حوله مجموعة تعمل لخدمته، وتحلق حوله وتطيع أوامره، وتحاول جني مكاسب، وتجيرها لصالحها في احترابها مع العائلات الأخرى "
أخذت أشكال التسلط والعنف ترهق الفلاحين، وتدفع بعضهم للهجرة إلى خرب أخرى أو محاولة الانتحار، أو إلى سعيهم للتخلص منه، وهربوا إلى المغارات والكهوف للمبيت فيها، وأضطر البعض إلى تخليه عن الأرض لهذا السيد مقابل تخليصه من الضريبة.
أقام عبد الهادي القاسم علاقات متينة مع بعض العائلات على حساب الأخرى، كما أنه الحق بخيالته بعض أبناء العائلات في حبله، التي جعلها مقرا له، إلى جانب بيت وزن، وجماعين، وسلفيت، ودير استيا، ونسج علاقاته مع المخاتير على أساس تبعيتهم له.
ساعد عبد الهادي القاسم في قرية كفر ثلث وأعمالها مختارين، هما: الأول سلامه إسماعيل شواهنة، والثاني محمود جابر.
وقد عملا كوكيلين لمساعدته أثناء قدومه لتحصيل الضرائب، ولم يراعي هذين الشخصين سوء أحوال الفلاحين، ولقد أوغرا صدره تجاه أشخاص عديدون، وكان منها: أنهم فرضوا ذات مرة بعض المحصول كضريبة على غلة علي ظاهر غرابة.
وعاد المخاتير والمتنفذ لفرض مبالغ إضافية بحجة عدم كفاية المبلغ الذي طلب منه ، وهددوه بمصادرة عّمالين من البقر، كان يستخدمها في الحرث والدرس، ولما يئس الرجل من إقناعهم بوجهة نظره ومنطقه. قام بتعليق نفسه على شجرة صبار غربي القرية، وهددهم بالانتحار بأن ربط كوفيته في رقبته، ومر الناس به، فوجدوه في حالة يرثى لها، وخلصوه ، وتوسطوا له عند الزعيم المتنفذ عبد الهادي القاسم، والمختار (21)
حدثني بعض الرواة أن عبد الهادي القاسم اضطهد العائلات التي أيدت آل ريان ، ومنها : حمولة الغرابة ، وعوده ، في كفرثلث وحمولة الديك في كفر الديك ،ولما كانت حمولة الجماعة الغرابة من أقدم حمائل القرية، و تملك مساحة كبيرة من الأراضي، لا تتوفر لغيرها، ، لهذا تعرضوا لاضطهاد يفوق الحمائل الأخرى ،وهو بهذا العمل كان يثير النعرات العنصرية بين حمائل المنطقة .
بعثت أعمال الخيالة، والثلة المحيطة بعبد الهادي القاسم الاستياء في نفوس الناس، ومنها أن نساءً من قرية كفر ثلث، اللواتي ذهبن لاقطات يجمعن، الذي تبقى من سنابل القمح والذرة في الأرض بعد حصادها وقطافها، وقد أخذن ما جمعنه من أراضي السيد شبه الإقطاعي، فكتب إليه سعيد خطيب مكن كفر ثلث قصيدة شعرية جاء فيها من الشعر المقذع ألوانا مختلفة جاء فيها: ـ
قال أول ما نبدي نصلي عمر الرذالة ما تدشر أصحابها
الله اكبر ما أرزل " العتريس عينه عوره تصلح مكر جاج لدارنا
شعره شايب شويه وشعره مطوق زي شعر النيص
له خلق بنطلون عالوسط رابطة وله سترة مسرسة تسريس
لما ينفدوا البعار يولوا هزيمة له رجل محذية، ورجل بكيس (24)
أصاب عبدالهادي في كبره الضعف والعجز ، كما عجز عن جمع الضرائب والمبالغ المستحقة، وتضايق الناس من تصرفاته.
وتضايقت حمولتي عوده ، والغرابة من عبدالهادي ، وتسلطه عليهم ، فقرر أربعة منهم وضع حدً له ، وعزله عن ضمان المنطقة .
وذهب سعيد موسى عبد السلام الذهاب إلى المحكمة في نابلس لرفع شكوى عليه.
ويبدو أن الحاكم لم يكن في صفه، ففي جلسة المحكمة.
قال الحاكم: من أحضر هذا الحمار إلى هذه المحكمة ؟!.
فرد عليه سعيد الموسى: إذا كنت حمارا، فهذه المحكمة (خانجي ) ، وحمل عباءته على كتفيه ، وخرج من الباب.
وصمم سعيد عبدالسلام عوده أن يشكوه إلى والي بيروت بتشجيع من عثمان أبوحجلة ، وشاركه عبد الله أبو خالد، ووهدان قزمار، وعثمان أبو نمر، وكانوا أربعة أشخاص وتوجهوا إلى الباشا، لكنهم اختلفوا في الطريق قبل وصولهم وواصل سعيد وعبدالله سيرهما إلى بيروت .
عرضوا قصتهم وشكوا ثقل الغرامات والمبالغ الزائدة التي يفرضها عبدالهادي القاسم.
وسألهم عن شخص لديه استعداد لضمان المنطقة.
وقالوا أن عثمان أبو حجلة لديه القدرة والاستعداد.
ورجع سعيد وعبد الله أبو خالد، ومعهم فرمانا عثمانيا بعزل عبد الهادي القاسم، وتعيين عثمان أبو حجلة الذي دفع الضمان وعن هذه الرواية، التي ذكرها عدة أشخاص، حدثني المرحوم عبدالكريم مصطفى عودة عام 1986:
" قويت عائلة أبو حجله ماديا، وقصروا دار قاسم في الجباية، وتوصل أبو حجله، وأهالي كفر ثلث للوالي، وشجع جماعة من البلد للذهاب إلى نابلس، وبيروت، واسطنبول، وكان منهم عبد الله أبو خالد، وسعيد الموسى، ووهدان غرابه، وعثمان أبو نمر.
أيدهم عثمان أبو حجله، وجاب أبو حجله خرج مصاري ذهب مجيدي،وقال :هذه ضمان قرى الجماعي نيات، ومنها :كفر ثلث، قراوة بني حسان، سنيريا، دير استيا وطرد عبد الهادي، بعد أن احضروا له فرمان، وفرحت بلاد جماعين، حتى أن أهل قراوة بني حسان ولعوا مشاعل نار كنا نشاهدها من كفر ثلث "(25)
جاء الضامن الجديد، وقد ورث ثلث أراضي كفر ثلث عن آل القاسم لكنه لم يسلمها لأصحابها بل طلب منهم دفع مبلغا من المال بدل الرهن، وحاول بعض الناس الخلاص من هذا الرهن المزور والذي جاء من عرق الفلاحين، ومن التحايل وابتزازهم، وبقيت بعض القضايا عالقة إلى الأربعينات من هذا القرن، ومنها أن عمر أبو هنيه، ويونس أبو هنيه طردا من خربة أبو فارة بسبب ادعاء آل القاسم ملكيتهم للأرض، ووجود إثباتات رهن من ورثة عبد الهادي القاسم، وعن هذا الواقع والمصير الذي آلت إليه الأوضاع في أوائل هذا القرن يقول الراوي: ـ
"نجح عبد الهادي القاسم في أخذ أراضى الجماعة الغرابة، وباقي أهالي كفر ثلث، وأهالي خريش، وسكان الزكور. وحبله، وغيرها من القرى ، وفي كفر ثلث وخربها صارت أرض المراح إلى الشرق من خربة الأشقر ملكا له، وهو ملك لآل عيسى، وأخذ باطن أبو ذيب بأكمله، وهي أرض تجاوزت المئتين دونم، و أرض قعدات الحمام، وتقع بين جسر سنيريا وأراضي دير استيا، وورثها الإقطاعيون اللاحقون عن السابقون، أي دار أبو حجلة عن دار قاسم، واختلف دار أبو هنية مع جمال عبد الهادي القاسم على حريقة أبو فارة، وُطرد عمر أبو هنية الذي عزب فيها، وكان ذلك في أواساط الأربعينات، وذهب تعبه سُدى بعد أن زرعها بالزيتون، وصادر القاسم بد (معصرة زيتون) لرزق الله مكان جامع كفر ثلث، واستلمه أبو حجله من بعده"(27).
وجاءت زعامة عائلة أبو حجله بأسلوب جديد تم فيه إقراض الناس بفائدة 13%-16%، وأصبح فالح أبو حجلة من مشاهير المرابين في منطقته، وقيل لمن يستهزئون بماله القليل: " أي هيه مصاري الفالح"، وهذه قائمة الأراضي التي تسنى لي الاطلاع عليها، والتي ارتهنها آل القاسم، وحصلوا عليها من ابتزاز الفلاحين في كفر ثلث وحبله، والتي عادت ملكية بعضها لأصحابها، والبعض الآخر بقي في أيدي آل القاسم أو أبي حجلة *.
أثر التجنيد الإجباري وحرب اليمن على السكان:
عانت الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر من جملة حروب وفتن داخلية، فأعداؤها طمعوا في نهب خيراتها، وتقسيم تركة الرجل المريض.
ورغم أن الدولة العثمانية حاولت إجراء إصلاحات داخلية، لكنها فشلت في تشديد قبضتها، بعد تنامي حروب الانفصاليين والثورات، التي كانت أبرزها حرب اليمن، وحرب القرم، وحروب البلقان عجزت عن استرداد قوتها ودحر الطامعين من مستعمرين ويهود.
قامت الدولة العثمانية بتسيير جيوشها لخوض الحروب مع الثورات الانفصالية، والتي جندت إليها رعاياها من العرب.
كان لفلسطين نصيب من التجنيد الإجباري، الذي شمل القرى والمدن، وقد سبب آثاراً سلبيةً في المجتمع الفلسطيني؛ حيث سبب المعاناة الدائمة والمستمرة في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والخراب، إلى جانب ما ذكرناه آنفاً من سوء الإدارة، وهذه أبرز مظاهر التجنيد الإجباري، وأثره في السكان:
1ـ سيق الشباب العربي في طوابير، وأرسلوا إلى أماكن بعيدة لقتال إخوانهم في اليمن، الذين ثاروا في الجبال، وكذلك أرسل الشباب المغصوب للقتال في حرب اليونان مع الأتراك، وحرب الروس مع الأتراك، ولقد دعيت عملية التجنيد باسم "ضريبة الدم "، ولم يعف منها أحد من شباب القرية الفلسطينية، أو باقي قطاعات المجتمع غير بعض الذين تنطبق عليهم المواصفات الآتية: ـ
1ـ أن يكونوا أخوة.
2ـ أن يكون الرجل متزوجا من غريبة أي من خارج القرية، وهذه حالة نادرة في المجتمع الفلسطيني؛ بسبب شيوع زواج القرابة من عمومة وخؤولة.
3ـ أن يكون في جسد الرجل عُطل أو عاهة مستديمة فيه.
4ـ أن يكون يتيما.
5ـ أن يدفع مبلغا من المال بدلا من ذهابه للحرب.
ومما لا ريب فيه أن للحرب آثار وخيمة على المجتمع، فهي التي تهلك الحرث، والنسل، وتشيع الأمراض، وتسبب انتشار الزنا أحيانا وتفريغ المجتمع من شبابه، وتعطيل الحياة الاقتصادية وتبعث الحسرات والزفرات، والتنهدات على غياب الأحباب.
في ظل هذه الأحوال لم يكن أمامهم غير الفرار من المعارك، أو دفع بخشيش للطبيب العسكري (28).
الحرب العالمية الأولى وتأثيرها على السكان:
اشتعلت الحرب بين أطراف التحالفات الدولية المختلفة، التي ضمت فرنسا وبريطانيا من جهة، وألمانيا ،وتركيا من جهة أخرى.
كانت منطقة نابلس مسرحا لعمليات الجيش التركي الثامن، وفي هذه الحرب قامت ألمانيا بحفر آبار ارتوازية في ودي قانا، كان واحداً منها البئر الواقع في وادي الزاقور، وهو بئر قام السكان باستخدامه. توجهت بعض نساء كفر ثلث، وخريش، وراس طيرة، وسلمان في صبيحة أحد الأيام من سنة 1917 في الحرب العالمية الأولى لملء جرارهن بالماء، وكانت طائرات الإنجليز تحوم في سماء المنطقة لضرب مواقع الأتراك، فشاهدت سرباً من النساء، فأسقطت الطائرة البريطانية قذيفة عليهن مما أسفر عن جرح واستشهاد عدد منهن، وسقط منهن شهيدات،وجريحات،وقد سببت الجروح ألاماً بقين يعانين من آثارها حتى وفاتهن، وقد التقيت بآمنة التي ظلت تشكو آلامها حتى ماتت(33).
ومن تأثيرات الحرب أن الأتراك ضايقوا السكان بسبب فرار البعض من الخدمة العسكرية، وكان منهم الحاج موسى محمد عرار، وأحمد عبد الرحمن عبد السلام.
ففي أحد المرات ذهبوا إلى بيت محمد موسى الرجل الضرير، وكبير السن، وسألوه عن ولده موسى ثم قاموا بمصادرة دوابه وأغنامه، وساقوها حتى قرية كفر زيباد، ولم ينتبهوا للنساء اللواتي كن يولولن ويصحن .
خريش في العهد البريطاني: كان أول عمل قام به البريطانيون أن طلبوا من السكان تسليم السلاح بحوزتهم.
حصلت في العهد البريطاني ثورة شاكر أبي كشك في عام 1921، وقد هبتّ جموع أبناء جبل نابلس لمساندته ضد يهود مستعمرة ملبس،وقد ضمت رجالا من عزون وطيرة بني صعب وقاقون ومن خربة خريش : الحاج موسى محمد موسى، وحسني عبد حسن وآخرين ، وقد هجموا في فزعة على المستعمرة، يحملون نبابيتهم وخناجرهم، وبعد انتهاء الانتفاضة قام البريطانيون بإرسال دورياتهم لاعتقال أبناء خريش الذين ساهموا فيها، وشرعوا يبحثون عن سلاح بحوزتهم، واعتقلوهم ستة شهور(34)
كفر ثلث في عهد الانتداب البريطاني والثوره الفلاحية المسلحة :
أسهمت كفرثلث في ثورة 1936 بالبنين والمال فقد التحق عدد من الأشخاص بالثورة وكان منهم :موسى مقبل عوده ، وحسين شقير ، وإسماعيل أبو هنية ، ويونس خالد ، وبركات عوده ،وسليم سلامة وحسن مصطفى عودة، كما شكلت كفرثلث الملاذ الآمن الذي كان يلجأ إليه الثوار بعد قيامهم بعمليات ثورية على طريق عزون نابلس أو في السهل الساحلي الفلسطيني ، وكان أبناء كفرثلث يكرمون أبناء الثورة ويستضيفونهم ،ولهذا فرض عليها منع التجول 8 مرات .
وأسهمت خريش بمساهمة محدودة وتمثلث في تقديم بعض الخدمات، وعلى أرضها حدثت بعض الأحداث البسيطة.
وكانت علاقتهم بعدة فصائل منها: فصيل حسن أبو نجيم وفصيل فارس العزوني ،ولكن فصيل حسن لم يستمر طويلا وتميزوا بعلاقتهم مع الفصيل الذي قاده فارس محمد الحواري من قرية عزون (35).
سجن فارس العزوني في سجن عكا وحينما سمع بأخبار الثورة فر من معتقله ليلتحق بالثورة
وقد التحق بصفوف الثورة وبعد فترة من الزمن طالب عارف عبدالرازق بتأسيس فصيل بمفرده دعاه فصيل الموت.
عمل فارس على تجنيد أبناء عزون، وكفر ثلث في فصيله الذي لا تقل أعداد عناصره عن 75 في حين ذكر فيصل عارف أن عددهم 200 ثائر (36).
وضم الفصيل عربا وفلسطينيين ممن انتدبوا للمهمات المختلفة، مثل المهمات القتالية. وأخرى كالاغتيالات، وشراء أسلحة وذخائر ومناظير، وتسجيل أحداث الثورة ،ومن الأمثلة على ذلك تكليفه موسى المقبل بشراء دربيل من مدينة نابلس حسبما روى لي قبل وفاته. وكان الناس يقومون بتنظيف الرصاص القديم الذي توفر من الحرب العالمية الأولى. يقول توفيق أبو صفية: "كنا أطفالا صغارا وتوظفنا قي تنظيف الرصاص ومسحه (37).
قام فصيل فارس بالعديد من العمليات العسكرية إلى جانب أعمال قتل العملاء والجواسيس، كانت أولى بدايات الفعاليات أن توجهوا إلى مكان قريب من عزون على الطريق الواصل بين مدينة نابلس قلقيلية، وكان طريقا ترابيا تمر منه مركبات الجنود، والسيارات المدنية الفلسطينية، وهي قليلة ونادرة، (38).
عمل البريطانيون على خلق أوضاع سيئة في مختلف المجالات وخاصة على الصعيد الاجتماعي لخلق حالة تناحر عشائري ،وتوظيف وعزل مخاتير يعملون لصالحهم والتنافس على المخترة بين الحمولتين الكبيرتين عودة والشواهنة ،هذا ناهيك عن تحطيم الانتاج الاقتصادي للقرية العربية حماية الإنتاج الصهيوني وتشجيعه وتقديم المساعدات اللازمة لتنميته وازدهاره .
ورغم شيوع الأجواء الثورية في فترة ثورة 1936ـ 1939، لكن الأوضاع عادت القهقرى لأسباب مختلفة واعدم فارس عام 1941.
أثر نكبة عام 1948 على كفرثلث:
وأخيرا اكتملت حلقات المشروع الصهيوني وتخطيطه في حدوث كارثة 1948،وأصبحت كفرثلث ضمن المملكة الأردنية الهاشمية، وخسرت كفرثلث الأراضي السهلية الخصبة في خريش والمويلح قرب نهر العوجا وهجر أبناء كفرثلث الذين أقاموا في خريش والزاكور إلى جلجولية في أعوام 1949ـ 1951 في سياق خطة ممنهجة .
محملين بسيارات العدو ومقيدين بالسلاسل والأصفاد مجبرين على ترك منازلهم تحت الضرب حتى سالت الدماء من بعضهم ،كما أن النساء لم تسلم من ذلك ، ثم أن الذين تسللوا إليها أو إلى داخل فلسطين سقطوا شهداء ومنهم: محمد خروب ، وعبدالرحيم شقير من حبله،وأحمد حسن الأعرج من قرية الضيعة وداود عمر داود هدشة من خربة واد الرشا،وفي هذا العهد جرت تغيرات في القرية والقرى المجاورة منها : زيادة عدد الموظفين ، وتوسيع رقعة الأرض الزراعية وبناء المدارس، والاهتمام بالتعليم ، والانخراط في الحركات القومية العربية والأممية والوطنية والإسلامية ،وحدثت في كفرثلث وأعمالها مطالبة الأغلبية لوزارة الداخلية الأردنية عام 1956 بتغيير المختار أحمد عبدالرحمن الخطيب الذي كان صاحب نفوذ اجتماعي زمن حكومتي بريطانيا والأردن، ونجح مسعاهم بتعيين مخاتير جدد وقيام مجلس محلي،ويجدر اذكر أن هذا المختار كان مدرسة في السياسة تركت أثرها في كفرثلث حتى اليوم.
كفر ثلث زمن الاحتلال الإسرائيلي والانتفاضة الأولى .
كان من تأثيرات هذا العهد تحول عدد كبير من أبناء كفرثلث وأعمالها نحو العمل في إسرائيل وتضخمت الأيدي العاملة وتعرضت كفرثلث وأعمالها ،لمحاولات دءوبة وحثيثة من قبل الاحتلال العسكري والإدارة المدنية إلى تزييف وتحايل على المواطنين وسخروا حفنة من السكان لتسريب الأرض ، وتأسست مغتصبات رونيت ويارونيت على هذه الأراضي في الجهة الغربية .
شاركت كفرثلث في الانتفاضات الشعبية ومنها انتفاضة الحجر الفلسطيني عام 1987 وبرز دورها الفاعل والقيادي في المنطقة وسقط فيها عيد من الشهداء وشارك شبابها في انتفاضة الأقصى عام 2000 ،ونتيجة حتمية لهذا النضال سقط العديد من أبنائها شهداء .
الفصل الثالث
الأنشطة الاقتصادية قديما وحديثا
تم استغلال الأرض في الزراعة ورعي الماشية في العهد العثماني ولكنها عانت من المتنفذين الذين أثقلوا كاهل الفلاح في فرض الضرائب فتركها لهم أو هرب منهم وأحيانا التجأ لهم حيث قام برهنها ريثما يتمكن من سداد الدين.
وفي بداية العهد البريطاني ظهر تبادل السلع بين مدينتي يافا وقلقيلية.
وتجلت نواة القوى العاملة من خلال عملها في بيارات المستوطنين الصهاينة أو بعض الكسارات والورش البسيطة في المدن وازدادت في العهود اللاحقة ومنها العهد الأردني والاحتلال الإسرائيلي بعد عامي 1948 و1967 (2).
لم يكن وضع النواة العمالية هذه مستقرا ولم يكن متخصصاً حيث كان وضعهم يتذبذب بين حالات مختلفة ومزدوجة لأكثر من عمل وفئة أخرى عملت في المعسكرات الانجليزية في أواخر الاحتلال البريطاني وكانت فئة قليلة العدد وهذا وما ينطبق على بعض الشرطة أو المجندين في سلك الجيش البريطاني(3) .
نشاط القرية الاقتصادي منذ نكبة 1948ـ 1994
كان من نتائج الحرب في هذه الفترة أن نقصت الملكية الزراعية بسبب الابتلاع الصهيوني للأرض العربية التي لم يبق منها غير الضفة الغربية وقطاع غزة.
ولأن أراضي كفرثلث كانت تمتد حتى نهر العوجا وتتبعها عشرة خرب تم تهجير وطرد أهالي اثنتين منها وهي : خريش والزاكور.
وكانت خسارتها عظيمة لأراضي خريش السهلية الخصبة ولأراضيها عند المويلح.
إن هذا الوضع السابق سيساهم بالضرورة في ازدياد الإفراد العاملين بالأجرة وسيدخلهم بالضرورة عام 1948م في عملية جذب إلى سوق العمالة الإسرائيلية على حساب العمل في الأراضي الزراعية .
ويمكن تلخيص الأعمال التي اتجه إليها سكان القرى والمدن الفلسطينية وقرية كفر ثلث جزء من هذا الواقع إلى ما يلي:
أولا: اتجه السكان في الضفة الغربية إلى تعميق المشاريع الزراعية المروية (5) سواء بزراعة الخضراوات أو الحمضيات، وتم حفر الآبار الارتوازية لهذا الغرض، كذلك زراعة الأشجار المثمرة.
ثانياً: اتجه قسم من السكان إلى الهجرة نحو دول الخليج العربي (6) ولقد تكثف ذلك بعد بروز ظاهرة النفط والحاجة للعمال والموظفين في شتي المجالات في دول الخليج.
وتجلى دور النظام الأردني في تركيزه على الجانب الوظيفي (7) سواء في وظائف الحرس الوطني أو وظائف التعليم الأكاديمي، وهو ما أدى إلي وجود مجتمع استهلاكي غير انتاجي بالرغم مما ذكر حققت الزراعة تقدماً نسبياً وتحسنت بعض الأساليب والوسائل وسوف اسعي لتوضيح بعض المؤشرات للمرحلة الاقتصادية تلك وان كانت ليست تمثلها بالضرورة كاملة .
ألأرض والانتاج الزراعي :
بعد جملة الأمور التي ذكرتها كانت القرية قد تعرضت لخسارة مساحة واسعة من أراضيها عدا عن وجود عوامل طبيعية سيئة كحالة الجفاف التي حدثت عام 1951 (8).
ومع بدايات عام 1958م تم حفر الآبار الارتوازية لري المزروعات في وادي الرشا وسلمان والمدور والاشقر.
وتم تصدير بعض الانتاج من الحمضيات والخضراوات إلى الكويت (9) ، وبيعت منتجات أخرى كالفحم والشيد والجبنة والحليب ، وكل ما كان يصدر للخارج كان يفوق قدرة السكان الاستهلاكية ، وكانت الصادرات تشكل دخلاً نقدياً للسكان.
وفي هذه الفترة شهدت القرية تحولاً في أساليب الزراعة المتبعة ،حيث أصبحت عملية الحرث بواسطة التراكتورات بدلاً من الخيول والأبقار بعد حرب 1948،حيث نقلتها العائلات المهجرة من السهل الساحلي الفلسطيني(10).
حلول الباب الوظيفي وتوسع الطبقة العاملة :
اهتمت حكومة الأردن بالتوظيف في سلك التعليم وكذلك تجنيد الشباب في الجيش وتوسعت الطبقة العاملة بصورة محدودة.
إن وجود الحرب الوطن الذي تأسس منذ وقت مبكر بدعوى حماية الحدود ما بين إسرائيل والجيش الأردني وتحديد راتب وصل إلى 197 قرشاً أردني بينما كان أفراد الشعب يعانون من سوء الأوضاع الاقتصادية،ونتيجة لهذا اندفع الكثيرين من سكان كفر ثلث وحبله وسنيريا وعزون وغيرها من القرى إلى التجنيد في الحرس الوطني (11).
إلى جانب هذا اهتم الناس بالورش الصغيرة مثل الكسارات التي امتلكها بعض الأشخاص حول كفر ثلث وعزون الذين نجحوا في عمل كسارات في كفر ثلث واشتغل عدد كبير من السكان في تلك المشروع (12) .
تمثل الباب وظيفي في التعليم حيث تخرج عدد من المعلمين في هذا العهد وبرز اهتمام منقطع النظير من قبل السكان وبالتالي أصبحوا معلمين تربويين في وقت كان فيه للوظيفة أهمية كبيرة في المجتمع ووجود طاقات استيعابية لهذا الغرض(13) .
القرية الفلسطينية و الإلحاق الاقتصادي الإسرائيلي:
كانت محاولات إسرائيل جادة في تدمير الاقتصاد الوطني الفلسطيني سواء أكانت كانت حرفاً أو صناعات أو ورش صغيرة وحاولت الاستيطان ومصادرة الأرض وتجويع الشعب الفلسطيني.
وتمثلت أهداف السياسات الإسرائيلية في إغراق الأسواق الفلسطينية بالصناعات الإسرائيلية الأجود والأقل تكلفة وجعل الأراضي المحتلة سوقا رائجا لبضاعتها ، بينما واجهت الصناعات المحلية في الضفة الغربية قيوداً كثيرة سواء فيما يتعلق منها بالتصدير أو إغلاق الجسور (14).
عمقت هذه السياسات التبعية والاندماج الاقتصادي لمصلحة الرأسمال الصهيوني في فلسطين ، وأدى إلى تحول عدد كبير من الفلاحين إلى العمل داخل المصانع والورش الإسرائيلية .
تغيرت أعداد العاملين في قطاع الصناعة 17.032 ألف عاملاً (15) وأصبحت 11.200 ألف عامل .
وفيما يتعلق بالممارسات الإسرائيلية التي شملت الأرض والفلاح يمكننا إجمالها:
أولا: أباحت السلطات الإسرائيلية لنفسها من خلال قوانينها ودساتيرها حق التصرف وتملك أراضي الضفة الغربية بما تراه مناسباً ، واعتبارها أراضي غابات بحسب القانون الصادر في عهد السلطات البريطانية عام 1927م وهذا يعني بإمكان الدولة إصدار قوانين تخولها حق استيطان الأرض وبناء المستوطنات عليها .
ثانياً: لقد خولت السلطات نفسها حق التصرف في الأراضي الأميرية في الضفة الغربية والقطاع والأراضي المحتلة بعد عام 1967م وهكذا تصرفت ببناء المستوطنات عليها (16).
ثالثاً : لقد واجهت الزراعة مشاكل أخرى كالمشكلة المائية حيث يتم تحديد كمية المياه المستخدمة لدى مزارعي الزراعات المروية كالخضراوات والحمضيات ويتجلى ذلك في منطقة الأغوار ومنطقة قلقيلية بشكل بارز .
رابعاً: واجهت الأرض مشكلة التسويق والإنتاج سواء فيما يتعلق بسياسة الجسور المفتوحة أو الضغوطات السياسية الاقتصادية التي ساهمت في تعطيل مساحة السكان والعقبات التي تواجه تصاريح التجار .
رغم هذه السياسات التعسفية وتأثيراتها على الزراعة إلا أن كفرثلث وأعمالها حققت تقدما ملموسا في زراعة الزيتون حيث كانت مساحة الأرض قرابة 1500 دونم عام 1945 بينما تصل اليوم إلى 14000 دونم،وتحتل رقم 4 في انتاجه في قرى جبل نابلس ثم أن القرية توجهت حديثا إلى زيادة الرقعة المزروعة بالخروب وتنتج منه سنويا ما يزيد عن 80 طنا(17) .
هذا ناهيك عن الزراعة المروية بأسلوب الدفيئات والتي تصل إلى 200 دونم كما أن البعض توجه البعض نحو زراعة ابو كادو والقشطة وغيرها(18)
النواحي التعليمية والثقافية:
من المعروف أن التربية هي حالة تطبيع اجتماعي لمجمل الثقافة السائدة في المجتمع يكون فيها دور الفرد والمؤسسة العائلية والعشائرية والشارع والحزب عامله على ترك بصماتها الثقافية على الأفراد ، وعلى هذا الأساس كان دور العائلة القرية هو المؤثر الكبير على تربية الأطفال .
إن أول مدرسة أنشأت في القرية كانت بمحاذاة الجامع القديم الذي جاور ساحة القرية وشجرة التوت المعمرة التي كانت تظلل المكان، و بنيت عام 1937واستخدمت لتعليم الكتاتيب وكان يدرس فيها الشيخ علي القدومي والشيخ أحمد القاضي من قريتي كفرقدوم وديراستيا حيث كان قسماً من أبناء القرية يتعلم على يدهم وبلغ عددهم 25 طالبا، وكان هؤلاء الطلاب يتعلمون اللغة العربية وتعليم القران الكريم والحساب ،وبقيت هذه الحالة حتى بنيت المدرسة الأولى عام 1944 وبدأت بغرفة واحدة(20).
وكانت هذه المدرسة ابتدائية تدرس مجموعة من الطلاب بأعمار مختلفة في صف واحد وأكمل أبناء هذه القرية تعليمهم حينها في مدرسة عزون ،وفي العهد الأردني تنامت الحركة التعليمية وزاد عدد الصفوف وافتتحت مدرسة للبنات عام 1957 باستئجار غرف.
وازدادت وتائر التعليم والنهوض العمراني ورغبة أبناء كفرثلث وقراها وافتتحت مدارس جديدة في كفرثلث وسلمان أوائل السبعينيات من القرن الماضي، ويوجد 4 مدارس اثنتان للذكور واثنتان للإناث.ولا فرق بين تعليم الذكور والإناث في بلدة كفرثلث التي تحتل أعلى المراتب التعليمية في قرى ومحافظات الوطن (21).
كما أن السلطة الوطنية الفلسطينية افتتحت عددا من المدارس ونشطت جهود المجالس القروية والبلدية لبناء المدارس في قرية الأشقر ورأس عطية وقرية الضبعة ورأس طيرة .
ويلاحظ ارتفاعا ملموسا في القطاع التربوي في كفرثلث وأعمالها سواء أكان عدد الطلبة والمعلمين والمشرفين التربويين وطلبة الجامعات ،حيث يتجلى التميز في هذا القطاع خاصة في كفرثلث ويشهد تفوقا على جيرانها من القرى الأخرى ومدينة قلقيلية.
وفي هذا السياق يحضر السؤال المهم عن أسباب التحول والتوسع في التعليم خاصة بعد عام 1948م وفي رأيي يعود هذا اهتمام إلى الأسباب التالية:
أ-خسارة القرية لمساحة واسعة من الأرض مما اثر في تحيد المساحة والبحث عن وسائل جديدة للعيش.
ب-محاكاة الاهتمام الذي ظهر في باقي قرى ومدن فلسطين بعد 1948م .
ج-أهمية المعلم وقيمته الاجتماعية التي نالها في مجتمعه في العهد الأردني.
د- تميزت سمعة كفر ثلث بالفصاحة حتى قيل إن اللغز الذي يجب حله يعرض على شخص من كفر ثلث أو كفر قدوم.
هـ-بعد القرية عن الخط الرابع من حزيران عام 1967م حيث زاد نسبة التسرب المدرسي للطلاب في حبله وقلقيلية والمواقع الحدودية عنها في القرى الأبعد .
و ـ منع العمال من العمل داخل فلسطين المحتلة عام 1948 بعد لانتفاضة الثانية وتأسيس الجدار (22).
العمران والصحة:
يمكننا القول أن التحسن في وسائل المواصلات قد ظهر بعد تعبيد الطريق الواصل بين قرية كفر ثلث وقرية عزون وكان ذلك عام 1956م وعبدت طرق أخرى لتصل القرية بغيرها من القرى(23) .
وقد سبب تحسن وسائل الاتصال والمواصلات إلى التفاعل بين أبناء الشعب الواحد والتفاعل أكثر أمام الأفكار والتعليم والتيارات السياسية .
أما فيما يتعلق في العمران في القرية فان الذي يظهر أن أقدم دار بنيت بالقرية هي بيت ياسين وسط ،ويعتبر مقام المغازين من أقدم الأبنية في القرية ،وهو مقام وقيل أنهم أقاموا فيه فترة الحروب الصليبية للجهاد والرباط.
قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية:
بعد الانتفاضة الأولى جاءت السلطة الوطنية في عام 1994م ورغم أن قرية كفر ثلث لم تخضع كمناطق أ للسلطة الوطنية الفلسطينية ، إلا أن جملة إصلاحات إدارية وثقافية واجتماعية واقتصادية انعكست عليها . وهذا ما يعنينا فقامت السلطة بعدة مساعدات لأهالي القرية ومنها:
أولا: حفر أبار الجمع لإغراض مختلفة في أراضي القرية وكانت تعطي حق الأولية لأصحاب الأراضي المهددة بالمصادرة، وقد تم دعمها من قبل وزارة الزراعة أو مؤسسات أهلية وزاد عددها 50 بئر وتم زراعة هذه الأراضي بالزيتون (24)
ثانياً: ومن المساعدات التي قامت بها السلطة هي مد المزارع الفلسطيني بالعديد من الاشتغال منها غراس الزيتون و التين واللوز وغيرها ،حتى يتم زراعتها في أراضي القرية ، ونحن نعلم أن اعتماد أهل القرية بالدرجة الأولى على الزراعة والزيتون خاصة إلى جانب بعض الحرف والوظائف الحكومية (25).
ثالثاً: قامت وزارة الزراعة ولجان الإغاثة الزراعية بشق الطرق الزراعية حيث أن معظم أراضي القرية لم تكن تصل إليها الطرق فأصبح بالإمكان الوصول إليها بالسيارة وهذا ما كان له دور ايجابي في جني المحاصيل وقدر طول هذه الطرق (22 كم) .
رابعاً: قامت وزارة الزراعة ولجان الإغاثة الزراعية باستصلاح وتعمير الأراضي ومساهمة المزارعين والتي كان لها أثرا ايجابيا في تشجير واستغلال أراض ومساحات جديدة.
.................................
1-الدباغ ، مصطفى ، بلادنا فلسطين ج5 ، ط4 ، بيروت ، 1988 م ص 393 .
2-العهد القديم جمعية الكتاب المقدس .
3-الدباغ ، مصطفى ، بلادنا فلسطين ، ج5، بيروت ،1988 م ص 393 .
4-الدباغ، المصدر نفسه.
1-شراب ، محمد ، معجم بلدان فلسطين ، ط3 ، الأهلية للنشر وتوزيع ، عمان ، 1996م ص890
2-شراب ، محمد ، معجم بلدان فلسطين ،ص914
3- شراب ، نفس المصدر ، ص911
الفصل الرابع :
سيرُ الشهُداء في كُفرثِلث وأعمالها
شهداء العهد البريطاني
شهداء العهد الأردني
شهداء حرب 1967
شهداء العمل الفدائي الفلسطيني
شهداء الانتفاضة الشعبية الفلسطينية 1987
شهداء الانتفاضة الشعبية الفلسطينية 2000
تعريف الشهيد:
الشهيد في اللغة:جاء الاشتقاق من المصدر شهد،حضر وأعلم،وقوم شهود،حضور،والشهيد المقتول في سبيل الله،مثل قتيل،ومقتول أي اسم مفعول،والجمع شهداء،والشهيد الحي.
الشهيد في الشرع:من قتله المشركون أو وجد به أثر أو قتله المسلمون ظلما ولم يجب قتله فيصلى عليه ولا يغسل.
لماذا سمي الشهيد بهذا الاسم؟
اختلف العلماء في سبب تسمية الشهيد بهذا الاسم إلى عدة أقوال وهي على النحو التالي:
1_لأنه مشهود له بالجنة.
2_لأنه حي عند ربه حاضر شاهد.
3_لأن الملائكة تشهد موته.
4_لسقوطه على الأرض والأرض شاهدة.
5_لشهادته على نفسه.
6_لأن الدم يشهد عليه.
7_لأنه شهد له بالإيمان.
8ـ لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعد له من كرامة.
9ـ لأن الله يشهد له بحسن نيته. (فتح الباري شرح صحيح البخاري ج6/42) (1)
من هو الشهيد ؟وما حكم الشرع؟وما أقسامه؟
اختلف أهل الشرع من فقهاء ،وأصحاب مذاهب في تحديده،ويشمل "قتيل المعترك"ومن قتل في معركة مع الكفار والمشركين وبه أثر،ومنها:من قتله كافر أو أصابه مسلم بالخطأ أو عاد إليه سلاحه أو تردى في بئر أو وهده،أو دفنه وسم فمات، أو قتله مسلم باغ استعان به على أهل الحرب،أو قتله الكفار وانكشفت الحرب عنه ولم يعلم سبب قتله، وان لم يكن عليه اثر دم.
والشهادة سبع سوى القتل:
المقتول في سبيل الله والمطعون شهيد وصاحب الحرق شهيد والذي يموت تحت الهدم شهيد والمرأة تموت بجمع شهيدة، والغريق.
ويضيف الشهيد المجاهد القائد جمال سليم الداموني في بحثه "ويلحق بالحريق: كل مسلم تفجرت به قنبلة أو عبوة ناسفة وهو يعدها أو قتل بلغم ارضي أو بمادة حارقة ومتفجرة فهو شهيد" .
وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل دون ماله فهو شهيد،ومن قتل دون أهله فهو شهيد،ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد"
وهناك من له اجر قريب من الشهادة:- كالذي تأكله السباع، ومن يتردى من رؤوس الجبال والعمارات الشاهقة أو من وقصته دابة أو خر عنها ومن لدغته هامة والمتمسك بالسنة، والتاجر الأمين الصدوق، والغريق والمرأة الحامل، المؤذن المحتسب، الذي يقرا سورة، وقالوا: المقتول ظلما كمن قتله لص أو أريد منه الكفر فقتل دونه أو أريد على نفسه أو ماله أو حرمته فقاتل دون ذلك فقتل، ولىنهم مقتولون بغير حق أشبهوا قتلى الكفار.
لقد تحدثت ايات القران في معظمها عن الشهيد الذي يقتل في سبيل الله في سور عديدة، ومنها في سورة التوبة: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويفتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقران ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم ".
وتعد النية والإرادة والقصد والهدف والطلب والإيمان بالإسلام ودينه من الأمور المنوطة والمهمة للشهادة،
والشهادة درجات عند الله وأعظمها الدفاع عن الإسلام ورسالته، وما دون ذلك فهي اقل درجة وضروبها تناهز الثلاثين كما يعلق عليها السيوطي :قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:"من قاتل لنكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" متفق عليه.
لقد تناولت كوكبة ممن قتلوا في ساحات المعارك أو قتلوا في الانتفاضات الفلسطينية، أو في العمليات المسلحة ضد الاحتلال، أو من أثار الاحتلال المختلفة حيث قتل البعض غيلة وغدرا أو من أثار الاحتلال وتطويق القرى وقصف المواقع بالطائرات أو من اثر الغازات السامة .
واترك لله الحكم والتقدير وحسبي أني اجتهدت فان أصبت قان لي أجرا إن شاء الله وان أخطأت فالله الغفور الرحيم .
انه نعم المولى ونعم النصير
*1 جمال سليم،أحكام الشهيد في الإسلام.
*2أبو علي بن علي،المختصر المفيد في المريض وأحكام الشهيد.
عودة
|
|||
حسنة محمود عرار عودة
|
|||
ولما كانت أراضي قرية كفر ثلث وخربها صعبة المسالك وكانت الطرق المعبدة غير ميسرة أو أنها مفقود أصلاً ، حتى أن طريق نابلس-قلقيلية كانت عبارة عن طريق ترابي اتخذ الثوار منها ملجأ وملاذاً يحتمون به ، بعد قيامهم بإجراء عمليات مسلحة على الطرق المعبدة والسكك الحديدية التي يمر بها الإنجليز ، وعرف الاحتلال البريطاني أن كفر ثلث صارت ملجأ وملاذاً أميناً للثوار ، والذين لاقوا الترحاب والضيافة من أهلها ، لذا قام الإنجليز بفرض منع التجول الذي بلغ (8) مرات وفي الثامن من آذار عام 1937م قامت طائرة بريطانية بإلقاء منشورات في سماء البلدة ، وقد أوصت بعدم خروج أبنائها إلى الحقول ، في حين حضر ضابط بريطاني يُدعى "نيوتن" وحشرهم جميعا في جامع القرية وفق العقوبات الجماعية التي شرعها الاستعمار البريطاني ، وسرعان ما ظهرت الطائرات الإنجليزية في سماء المنطقة ، وقد قذفت آلاف المنشورات التي هددت وتوعدت كل من يساند الثورة أو يخرج من الطوق المحكم على القرية ، وفي هذه الأثناء كان شاب من كفر ثلث يُدعى "عبد الله قصاص"* يتوجه إلى مدينة يافا لإحضار ملابس كسوة لعروسه ، ويظهر أنه لم يعر انتباهاً أو لم يكن ليعلم بما جرى ،وكانت أساليب الانجليز تعسفية وصارمة فألقت عليه قذيفة أدت إلى استشهاده وفي هذه الأثناء كان شاب آخر من القرية يدعى "أحمد حامد شواهنة" يمر من المكان الواقع عند مدخل قرية كفر ثلث الغربي فألقت عليه قذيفة أخرى وسببت حرقا لأشجار الزيتون وجرح "أحمد حامد شواهنة" في فخذه فزحف إلى الوادي واستلقى بين الأشواك الكثيفة ، فظن الإنجليز أنه توفي فحلقت الطائرة على ارتفاع منخفض وبشكل مائل وبجناحها قامت بتغطيته بأشواك القنديل من الجهتين، وفي هذه الأثناء كان أحد أفراد القرية يشاهد ما يجري من مغارة مطلة قريبة ويعجز عن فعل أي شيء، وبعد ذهاب الطائرة البريطانية بلغهم الخبر أل القرية وحملوه على سلم واتجهوا ب أحمد حامد شواهنة ووضعوه في أحد بيوت القرية، وأحضروا الحطب وأخذوا بإشعال النار بكثافة حتى الفجر والجريح يتصبب عرقاً حتى أفاق وتم نقله للمعالجة وقد ظل يعاني من آثار الشلل والجرح إلى يوم وفاته في عام 1977م .
استشهاد الشيخ أحمد محمود عرار ومسعود موسى عيسى
كان عدد من شباب قرية كفر ثلث وقرى عديدة مجاورة يذهبون للعمل في المستعمرات الصهيونية أو ينقلون بعض السلع التجارية إلى مدينة يافا العربية أو إرسالها إلى المستوطنات القريبة مثل: رعنانيا وملبس ومجديين.
وقام هؤلاء بتوريد الفحم والشيد والجبن والبيض والزبل الطبيعي للمستوطنات وكان من بينهم "الشيخ أحمد محمود عرار" و"مسعود موسى مصطفى عيسى" .
........................................................
قام أعضاء عصابة "شتيرن" و"الأرغون" بعمل كمين للعرب شرق مستعمرة ملبس في موقع الكسارات وقتل العشرات من العرب المارين من هذا المكان وكان من بينهم "الشيخ أحمد محمود عرار" و"مسعود عيسى" ونجا من الموت بأعجوبة شخص يدعى "محمود القن" من قرية كفر برا الذي تظاهر بالموت ساعة إطلاق النار عليهم ، بينما نقل الشيخ أحمد إلى قرية خريش ولا زال قبره فيها ، ونقل مسعود عيسى إلى مقبرة كفر ثلث ، وعم الحزن وخيمت أجواؤه على كفر ثلث وخربها لخسارة هذين الشابين (3) .
وتجمع أبناء كفر ثلث وخريش للحراسات والنضال المشترك برفقة العراقيين على سكة الحديد غرب جلجولية (4) .
وبعد حرب 1948 واصل أبناء كفرثلث علاقتهم مع إخوانهم في خريش وكذلك فعل الشباب الفلسطيني الذي لم يعبئ بخط الهدنة والحدود الجديدة المصطنعة ونتيجة لهذه الحركة إلى أرض فلسطين السليبة ولأن الاحتلال اعتبرها " تسللا" وخروجا على حساباته لهذا قام جنود الاحتلال وحرس الحدود المسمى (شمار جفول) بوضع الحواجز ونصب الكمائن لهؤلاء الشباب فسقط عدد منهم وهم :ـ محمد خروب ويوسف أحمد عتريس و قدورة عبد القادر أبو شقير من (حبلة)، و أحمد حسن إسماعيل الأعرج ( مغارة الضيعة)، و داود عمر داود هدشة ( وادي الرشا )، و عبد الكريم أبو الندى ( قراوة بني حسان )، الذي جاء إلى أهله في قرية كفربرا، وقتل آخرون من قرية سنيريا قرب خريش بعد رجوعهم، وجرح آخرون في حوادث مختلفة ومنهم:محمود الصيفي من كفرثلث .
المفقود أو الشهيد "غازي أحمد حسن عرار عودة "
الحالة الاجتماعية: لم يتزوج.
استناداً إلى الشهادة الصادرة عن مؤسسة الشؤون الاجتماعية ورعاية أسر الشهداء أو الأسرى في حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح بتاريخ 21/7/1973م .
توجه عام 1967م إلى الأردن وسوريا ولبنان ، حيث انخرط في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، تلقى تعليمه في مدرسة القرية ثم في مدرسة عزون ، قام أثناء انخراطه في صفوف الجبهة الشعبية بالعديد من العمليات العسكرية ، قاتل في صفوف المنظمة ضد الكتائب اللبنانية وفي معارك تل الزعتر حوصر مع عدد من مقاتلي الجبهة الشعبية إذ توجهت لهم قوات الكتائب بمكبرات الصوت وطلبت منهم تسليم أنفسهم لكنه طوق نفسه بحزام ناسف وأوهمهم بأنه يرغب بتسليم نفسه ، وما أن اقتربوا من سلم البناية حتى قذف نفسه بين جموعهم واستشهد ، فقامت الجبهة الشعبية بالتعبير عن خسارتها للقائد "أسعد" وكانت ولا زالت تفتخر بأنه أحد مقاتليها الأشداء ، وحدثني حسني أحمد الصيفي في مقابلة جرت معه في كفر ثلث عام 1997م أن الشهيد وعناصر أخرى من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين شنوا هجوماً بالأسلحة على قوة من حزب الكتائب كانت تطلق قذائف الدوشكا ، فاستشهد أسعد في طريقه لاقتحام موقعهم .
على ضوك مشى ضعن الأحباب
الشهيد "ماجد حسين ذيب عودة"
الشهيد سامر حسن يوسف شواهنة
* ولد الشهيد سامر حسن يوسف في قرية كفر ثلث 2/10/1980م لعائلة تتكون من ثمانية أفراد هو أصغرهم.
* التحق الشهيد بالمدرسة وبها أكمل دراسته الثانوية بتفوق، وقد عمل شبلا في الانتفاضة الأولى.
* التحق في عام 1999م بجامعة النجاح الوطنية في نابلس – كلية الآداب / قسم علم الاجتماع.
*كان عضوا بارزا في حركة الشبيبة الطلابية سواءً في مدرسته أو في جامعة النجاح الوطنية.
شغل تفكيره الهم الوطني الفلسطيني،وتحقيقا لرغبته التحق الشهيد البطل بجهاز الشرطة الخاصة عام 2000م.
*امتاز الشهيد سامر بالدعابة وخفة الروح فأحبه كل من عرفه وتعامل معه.
*وفي صبيحة يوم السبت الموافق 20/10/2001م واثر اجتياز غاشم لقوات الصهاينة لمدينة قلقيلية تصدى الشهيد البطل وإخوانه لهذه القوات واثر اشتباك مسلح في منطقة صوفين وبالقرب من المسلخ في مدينة قلقيلية أصيب الشهيد برصاصة من نوع متفجر اخترقت جسده الطاهر فروى بدمه الطهور أرض فلسطين ليلتحق بقافلة الشهداء (شهداء فلسطين) على مذبح الحرية والاستقلال.
رحم الله الشهيد وأسكنه فسيح جناته .
((وإنا لله وإنا إليه راجعون)).
الشهيد إسلام صادق إبراهيم موسى شواهنه
تاريخ الميلاد: 18/1/1977
التحق في مدرسة ذكور كفر ثلث الثانوية عام 1983 وأنهى دراسته الثانوية منها وحصل على شهادة الدراسة الثانوية ألعامه منها.
وقد عرف عنه داخل المدرسة حبه للعمل الوطني فكان احد أعضاء حركة الشبيبة الطلابية البارزين والناشطين داخل المدرسة .
بعد تخرجه من المدرسة التحق بجهاز الاستخبارات العسكرية وذلك منذ دخول طلائع القوات الفلسطينية إلى ارض الوطن .
بدا عمله في جهاز الاستخبارات العسكرية في محافظة جنين ، ثم انتقل للعمل في نفس الجهاز في مدينة قلقيلية ، وفيها أكمل مشواره النضالي مع رفيق دربه
مازن حسني علي الأحمد مدير جهاز الاستخبارات ، مؤسس وقائد كتائب شهداء الأقصى في المحافظه وتزوج عام استشهد بتاريخ 3/3/2002 وذلك على يد القوات الخاصة الاسرائلية ، حيث كان يحرس إحدى حواجز الاستخبارات العسكرية في مدينة قلقيلية بعد اشتباك مسلح معهم تاركا زوجته التي كانت حامل ولم تنجب بعد.
وقد رزق بطفل بعد استشهاده بشهرين (30/5/2002)وقد سمي جعفر حسبما أوصى والده.
عبدالباسط قاسم سعيد عبدالسلام عودة
(القسامي عبدالباسط عودة غيظ متواصل ختمه بشفاء الصدر )
ترعرع والده وجده في قريتي كفرثلث وخريش وطردوا وهجروا شأنهم شأن باقي أبناء خريش مرتين الأولى عام 1948 والثانية عام 1951.
وانتقلوا في رحلة عذاب إلى مخيم طولكرم ومدينة طولكرم.
عمل ذات يوم في فندق بمدينة نتانيا وظل يشعر أنه سيفجر هذا الفندق على من فيه برغم صغره ، وكبر عبدالباسط وبقي هذا الهدف يراوده ،ومما زاد في سخطه شعوره بالحرمان والإهانة وغياب الكرامة من الحواجز المنصوبة وضياع بلد أبيه ،ومع أن طفولته كانت هادئة ولكنها كانت تخفي صمتا رهيبا ،غاب عن الفندق وعاد إليه يتجول فيه وبكل ثقة وهو يحمل المتفجرات هذه المرة وتأمل الشهود والحضور واتجه صوب تجمعهم ثم تفجر.
كانت عملية على غير العادة فقد فجرت الأوضاع السياسية في المنطقة وسببت حصارا لرئيس (م .ت.ف) ياسر عرفات "أبو عمار" ،حيث دفع العدو الصهيوني بجرافاته التي أخذت تدفع جدران مبنى المقاطعة في مدينة رام الله وتنشر الخوف والذعر كما أن أجهزتها الإعلامية روجت الدعايات وتذرعت بهذه العملية التي كان نجاحها الخارق مصدر قلق وإزعاج للكيان الصهيوني بصورة ظاهرة وتتفوق على غيرها من الأحداث الأخرى.
ولد عبد الباسط محمد قاسم عودة في 29/3/ في مدينة طولكرم 1977 وترعرع في بيت متدين وقد عرف الشهيد طريقه إلى بيوت الله مبكرا فقد كان يذهب للمسجد وانتفض مع المنتفضين في الانتفاضة الشعبية عام 1987 وهو شبل شأنه شأن ابن عمه جمال محمد عبدالسلام عودة ، و ضمت أسرته سبعة أشخاص،وكان ثأره المقدس في قرية خريش التي طرد منها الأب والجد والأقارب والأعمام وكان ترتيبه الخامس من بين أربعة بنات وثلاثة أخوة.
وقد اعتقل خلال الانتفاضة الأولى لمدة خمسة شهور علاوة على إصابته بشظايا في رأسه.ورغم هدوء الوضع السياسي والمواجهات المباشرة ما بين الفلسطينيين والقوات الصهيونية بعد اتفاقية أوسلو عام 1994، لكن ديدنه ظل الشهادة ومعه نخبة من مجموعة القسام ومنهم نهاد أبو كشك،وظل عبدالباسط يتحين الفرصة ليقوم بعمل كبير وعظيم شأنه شأن أصحابه الآخرين ،ويظهر أن المحتلين وضعوا أسمه في لائحة المطلوبين فتوارى عن الأنظار منذ بداية آب 2001 ولم يظهر إلا في 27/3/2002 بعد أن اخترق كافة تحصينات وحواجز العدو الصهيوني وقم بتنفيذ العملية التي أوقعت عشرات القتلى وكانت ناجحة بما يفوق الوصف والتوقعات وهكذا رسم صورة لبطولة الانسان الفلسطيني التي تفوق التوقعات المعتادة.
انتقم من والده المحتلون بأن هدموا العمارة جميعها في طولكرم ولكن لم تنل عزيمة أهله الذين صبروا.
الشهيد حسين حسني الأشقر
مكان الميلاد: عزبة الأشقر - كفرثلث.
تاريخ الميلاد: 25-2-1975م.
مكان الاستشهاد: رام الله.
تاريخ الاستشهاد: 30-3-2002م.
مولده ونشأته:
ولد الشهيد في عزبة الأشقر ولم تر عيونه والده الذي توفي قبل أن تلده امه.درس في مدرسة كفر ثلث حتى الثانوية العامة ولم يكمل المذكور دراسته بل التحق بصفوف الحركة منذ نعومة أظفاره.
التحق بالعمل بجهاز المخابرات العامة منذ تأسيسه كجندي شرس ملتزم وفتحي الجند بالجهاز.تنقل في خدمته العسكرية داخل الجهاز حيث خدم في العديد من محافظات الوطن وأماكن أخرى هنا في محافظة قلقيلية.
ومع ضياع المدن الفلسطينية في الضفة واشتداد الحصار على مدينة رام الله وعلى المقاطعة بالذات التي كان يقبع بين جدرانها سيد الشهداء الرئيس الراحل ياسر عرفات، فأبى الشهيد إلا أن يتوجه إلى مدينة رام الله كي يكون بين رفاق دربه.
امتد القصف والحصار على مدينة رام الله وملاقاة المقاتلين من عمارة لعمارة ومن شارع لشارع.
صمم على المقاومة والمواجهة وجها لوجه مع قطعان الاحتلال فأصابته بضعة رصاصات في صدره مباشرة حتى اخترقت قلبه الطاهر ليسقط شهيدا مع مجموعة من رفاقه.وبعد بضع أيام تم نقل جثمانه وجثامين رفاقه إلى باحة مشفى رام الله الحكومي حيث دفنوا هناك جميعا حتى الآن بعد أن رفضت قوات الاحتلال أن يدفن كل شهيد في بلده مسقط رأسه.
وقبل أن ينتقل من قلقيلية إلى رام الله ودع معظم رفاقه وكان يقول: لن أعود ولن أراكم.وكأنه كان يشعر بان الشهادة هي نهايته وكانت له خصال واضحة ومعروفة ومنها:
- أحبه كل من عرفه وتعامل معه.
- عرفه رفاقه من أكثر الإخوة التزاما وانضباطا.
- لم يكن له طموح في الحياة الدنيا وملذاتها.
- أبى إلا أن يكون شهيدا مدافعا في ذكرى يوم الأرض العزيزة على قلوبنا جميعا.
وهكذا كان حيث سقط شهيدا وبقيت جثته لأيام في ساحة مستشفى رام الله حتى نقلت أخيرا إلى قرية الأشقر ووري جثمانه الطاهر في مقبرتها.
الشهيد جمال يوسف داود عودة
ولد في قرية كفر ثلث بتاريخ 26-3-1963م.
درس في مدارس كفرثلث وعزون وأكمل تحصيله العلمي في جامعة النجاح الوطنية وتخرج فيها في 27-8-1986م.
وتم تعيينه مدرسا في كفرثلث في 18-1-1991م بمعدل 83,7 في اللغة الانجليزية،ودرس تخصصات أخرى ، وكان ملتزما ومعطاء غير منطفئ.
أصيب بمرض السرطان في عام 2001م وقضى عاما في مرضه، وبقي يصارع الموت ويكابده بينما يدرس في مدرسة عزون الثانوية، كان يدعو الله أن يرزقه الشهادة، وحصل على ما تمناه، فأثناء توجهه إلى مدينة قلقيلية لتمديد إجازته المرضية في مكتب التربية والتعليم ،حيث كانت مدينة قلقيلية مطوقة من قبل جيش الاحتلال الصهيوني من جهة بلدة حبله، دفع بأوراقه ومستنداته وبطاقة الهوية ؛ليريها لجندي من جنود الاحتلال الصهيوني المتمركزين عند طرفها الجنوبي ،فما كان منه إلا أن أطلق عليه النار، فأصيب على أثرها ونقل لمستشفى مائير الإسرائيلي، واستشهد وقد ترك زوجته و ثلاث بنات وولد.
الشهيد إحسان نعيم حسن احمد الصيفي "شواهنة"
الاسم والنشأة:
أبو الفداء المقدسي؛ إحسان نعيم حسن أحمد حسين شواهنه
الخامس والعشرون من شهر شباط! كان يوما مباركا من عام 1977 حيث كان ميلاده ، وحين أطلّ على الدنيا إحسان في مستشفى قلقيلية وكان اسمه وصفا له منذ تلك اللحظة!
نشأ وترعرع في كفر ثلث وعُرف عنه الالتزام الديني والأدب والحياء منذ صغره وكأن عمله مع أبيه في المشتل منذ الصغر بين الورود وَهَبَه جزءا كبيرا من شذاها فكان رحمه الله دَمِث الأخلاق قريبا إلى كل قلب! لا يتعرّف إلى أحد إلا وترك فيه أثرا لا يمحوه الزمن! أحبّه كلُّ من عاشره وعاش معه!
الدّراسة:
درس المرحلة الأساسية في مدرسة كفر ثلث الثانوية للبنين, وحباه الله الذكاء من صغره فكان من المتفوقين الأوائل في المدرسة تشهد له شهاداته التي كان حريصا على الحفاظ عليها، ثم انتقل إلى مدرسة عزون الثانوية ليدرس في الفرع العلمي ، وفي عام 1995 أنهى الثانوية العامة بمعدل 86.8% ليلتحق في ذات العام بكلية الهندسة في جامعة النجاح الوطنية في نابلس – ولم يكن يفكّر لحظة في مغادرة الوطن الذي أحبّ - ليصبح أحد طلاب قسم الهندسة الصناعية ، وخلال دراسته حصل على عدّة شهادات في علم الحاسوب, وشارك في عدة ورشات عمل عقدتها وزارة التعليم العالي حول مجالس الطلبة , وبعد سبع سنين من الدراسة بسبب الاعتقال المتكرر حيث لم يبق لتخرّجه من الجامعة سوى مناقشة مشروع التخرّج أصبح مطلوبا للصهاينة! فلم ينل شهادة الورق بل أكرمه مولاه بشهادة الخالدين([1]) .
مسيرته الدعوية:
عُرف عنه الالتزام منذ نعومة أظفاره وهو بنفسه لا يذكر متى التزم بالصلاة فما بدأ يعي إلا وهو ملتزم بدينه ، ومع بداية التسعينيات التحق بالمسجد وحِلَقِه في قريته ، ليصبح مع بداية دراسته الثانوية عضوا في جماعة الإخوان المسلمين , وحين التحق بالجامعة أصبح عضوا فعّالا في الكتلة الإسلامية فكان رجلا لا كالرجال وفردا لا كالأفراد جنديا مجهول من الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إذا حَضَروا لم يُعْرَفوا وإن غابوا لم يُفْتَقَدوا ولم يُذكروا ، عمل في اللجنة الثقافية والإعلامية وأشرف على جريدة صوت الطلبة وعمل في الدعاية الصامتة لانتخابات مجلس الطلبة، ثم أصبح عضو مؤتمر عامّ في مجلس الطلبة حيث كان مسئول لجنة التخصصات , وكان مسئول الملف الأمني لمعتقلِي الكتلة الإسلامية فكان كثير الاهتمام بإخوانه الأسرى وذويهم ... إضافة إلى الكثير من الأعمال الني كان يقدّمها فلا تكاد تنظر إلا وتجده مشمَّرا عن ساعد الجد والعمل متفان في دعوته لا يعرف اليأسُ إليه سبيلا ، وجه بشوش لا تكاد تفارقه الابتسامة , وقلب رءوف لا يعرف الحقد, ويد سخية لا تعرف الشّح , عُرف عنه حبّه لإخوانه وكان هيناً لينا على إخوته، نقاءُ سريرةٍ وصفاءُ نفس، صفاء ظاهر وفداء باهر..
الاعتقالات والأسر:
اعتُقِل بدية على يد أجهزة السلطة الفلسطينية الأمنية عام 1996 ولبث في السجن بضع شهور ثمّ في شهر آذار من العام 1997 أوقِفَ ثلاثة أسابيع في سجون الاحتلال الصهيوني تحت التحقيق بتهمة الانتماء للكتلة الإسلامية، ثم اعتقل مرّة أخرى على يد أجهزة الأمن الفلسطينية , وفي أيلول من العام 1999 اعتقله الصهاينة لمدّة ثمانية أشهر قضاها في معتقَل مجدو , ومرّة أخرى يعود على المعتقَل الصهيوني في آذار 2001 ليقضي سبع عشرة شهرا , وما لبث بعد خروجه إلا اليسير ليُعتقَل في شهر شباط 2003 ليقضي عشرة أشهر ويخرج في الثامن عشر من شهر كانون الثاني للعام 2003 عاقدا النيّة على أن لا رجوع إلى السجن "فالصبر الصبر! ... وحياة المطارد لا حياة الجبناء، وعيشة التشريد ونحن أعزّة خير من ذل الحديد"([2]). فلله درّه!
تنقّل في أقبية التحقيق ما بين مراكز تحقيق "الجلمة" و "بتاح تكفا" و "عكا" ولاقى فيها من الذلّ وألوان العذاب ما الله به عليم ومورِست ضدّه كل طرق التحقيق من أسلوب الصديق حتّى الأساليب الوحشية حتى التحقيق العسكري ليعترف ولو بكلمة على التّهم العسكرية الموجَّهة إليه , حتّى أنه كاد أن يفقد السمع في أذنه اليسرى تحت التحقيق , مما اضطره عندما أصبح مطاردا إلى تركيب سمّاعة ، غير أنّه لم يعترف أبدا طول فترات اعتقاله ولو بكلمة واحدة تشفي صدور جلاديه حتى أنه أنكر صورته مع بعض أصحابه في بعض جولات التحقيق , قال لي ذات مرّة:ـ "إسمع ، اعترفت في أوّل تجربة اعتقالية لي بأنني أنتمي للكتلة الإسلامية ففُتِحَت عليّ أبواب من الأسئلة... فأنكرت كلّ شيء وقلت لم ينظمني أحد!! ولم أذكر اسما لأحد، وأنا حتى الآن أتندّم على ذلك الاعتراف!" فيا الله أيّ أسد كان! ثمّ قال لي: "لا تمسك القلم في التحقيق ولا تعترف بشيء ولا تكتب شيئا مهما كلّف الأمر".
من التحقيق العسكري إلى الاستجداء:
وأخبرني أنّ المحققين ذات مرّة قد يئسوا من أن يعترف بعد أن نفذت كلّ وسائلهم , فجاء أحمقهم وقال: اتركوه لي وأنا أعدكم أن يعترف على يديّ هذه المرّة , وأصبحت المسألة مسألة تحدي , فمارس معه كلّ ما وصلت إليه عقلية الإجرام من أساليب التحقيق , غير أنّ النتيجة بالنسبة لأسد من أسود التوحيد كانت محسومة وهي أن لا اعتراف حتى لو متّ تحت التعذيب , فما كان من ذلك الكلب إلا أن يستجدي إحسان أن يقول فقط " أنّ الطريق الذي أسلكه خاطئ" وأخذ يشدّ حذاء إحسان وهو مشدود الوثاق على كرسي التحقيق ليقبّله وهو يقول :ـ
"أبوس كندرتك بس قول أن طريقي هذا خاطئ" حتى لا يخزى ذلك المحقق أمام إخوانه , لكن هيهات!! قال لي يرحمه الله " والله لقد كانت تلك أسوأ ما مرّ عليّ في التحقيق, فلم أدرِ بما أجيبه وهو يستجديني كالكلب, غير أنّي كنت أشعر بلذّة النّصر".
ولذلك كان يقضى كلّ فترات سجنه في الاعتقال الإداري، كلّما أنهى أشهرا جُدِّد له الاعتقال, جسم نحيل وهمّة كالشمّ الرواسي وصبر قدوته فيه أيوب عليه السلام، لا يشكو السجن ولا السجّان إلا لمولاه!! فلله درّه.
ومِن صوَر يأس المحققين من أن يعترف أنّه في آخر اعتقال له – وكان بسبب علاقته بكتائب القسّام – لم يحَقَّق معه حول التّهم الموجهة إليه ، بل أخذ المحقق يناقشه في مسائل الدين الإسلامي وأنّ أرض فلسطين هي مُلْك ليهود بنصوص القرآن حيث أنّها قِبلة يهود وأن مكّة هي قِبلة المسلمين , والله عزّ وجلّ في كتابه يقول عن مكّة مخاطبا محمّد صلّى الله عليه وسلّم: " فلنولّينّك قبلة ترضاها" أي أنّه صلّى الله عليه وسلّم لم يكن راضيا عن قبلته وهي بيت المقدس!! وقد أخبرني أحد المحقّقين عن آخر حديث بينه وبين إحسان في التحقيق أنّ إحسان وعده أن لا يعود إلى السجن! وهو حديثا رواه لي ، وبالفعل أوفى بعهده! وحرّر روحَه من أصفاد الجسد وجَسَدَه من قيود يهود!
مسيرته الدعوية داخل السجون:
لم يكن ليرضى بأقلّ ممّا كان عليه خارج السجن.. فهو صاحب همّة وعزم, حطّم الخوف واتّخذ الأخطار مركبا إلى الرفعة!
جسور لا يُرَوَّع عند همٍّ ولا يَثني عزيمَتَه اتِّقاء
فعمل في السجن مع بعض إخوانه في معتقل مجدو على كتابة "النضالية" – وهي الوثيقة التي تنظّم علاقة التنظيمات فيما بينها داخل المعتقلات- وعمل في اللجنة الثقافية ، وفي جهاز الأمن وفي النضاليات ، وفي آخر اعتقال له كان المنسِّق العام لسجن النقب وكان عضو لجنة التنسيق مع إدارة السجن ، إلى غير ذلك من المهمّات التي أوكلت إليه داخل السجن , ومع كلّ ذلك فقد كان مثقفا من طراز فريد تراه منكبّا على الكتب يقرأ ويحفظ ويُلخّص يلتقط الكلمات كما تلقط الطير أطايب الثمر ، كثير القراءة واسع الإطلاع مجتهد في العبادة..
جهاده ومنهجه:
حينما يتكلّم الإنسان عن أولئك الرجال تتزاحم الأفكار في الذهن فلا يدري من أين يتبدي! وبأي شيء يصفهم! أولئك الرجال أولئك الأبطال أولئك العمالقة العظام الذين رفعوا العار عن جبين أمتنا في زمن أضاع فيه الرجال رجولتهم!
ولأن المقام لا يتسع لذكر هؤلاء الرجال بما هم أهله، والقلم يعجز عن حصر محاسنهم إلا أننا نحاول؛ فما لا يُدرَك كُلّه لا يُترك جُله!
أبو الفداء المقدسيّ! فرّ من الدنيا و ترك كل شيء فيها يبتغي ما عند الله فكان قراره أنّه ما خرج من السجن إلا ليستشهد! رجل طلب الشهادة بصدق قائلا: "لن أعود إلى البيت إلا على الأكتاف" فنالها مقبِلا غير مُدبِر ، صدق الله فصدقه ، نحسبه والله حسيبه! نرجو الله أن يتقبله في الشهداء!. ومما قاله:"لا أحتاج منزلة ولا شهرة في الناس ، كل ذلك سراب تحسبه من بعيد ماء فإن جئته لم تجده إلا التراب وما أريد إلا دعوة صالحة من مسلم صالح تبقى سرّا بينه وبين الله".
تأمل في حال الأمة فرآها تُسام ألوان العذاب والذل والقهر على أيدي اليهود والصليبيين "تريدون مني أن أكون مهندسا! ما قيمة الهندسة إن كان الذي يحكم البلاد بأكملها ويسِّيرها بنو يهود؟! لبطن الأرض خير لنا من ظهرها! ما قيمة الشهادات؟! ما نفع الأموال إن كان العرض مهدورا والمال منهوبا؟! وأي جندي يأتي في وهن من الليل يقرع علينا الباب يأخذ نسائنا وأطفالنا وإخواننا بحجة أن هؤلاء مطلوبون أخلوا بالأمن؟! ما قيمة الحياة وجندي عمره لا يتجاوز الثامنة عشر يقف على حاجز يتفنن في إذلال الكبار والصغار من الرجال والنساء والأطباء والمهندسين؟! آلاف المعتقَلين تُنتَهَك حُرُماتهم ليل نهار؟! أي قيمة للحياة؟! ما قيمة الحياة ؟! ما قيمة الأموال؟!"[3]
ونظر إلى شبابها فلم يجد إلا من طوى نشاطه عنه أو اثّاقل إلى نعيم الدنيا الزائل، نظر فإذا أكثرهم آثر الدّعة وركن إلى الذين ظلموا واستمرأ عيش الذل! "الناس في هذه الدنيا أمرهم جدّ غريب... فأغلب الناس سلكوا طريق السلامة وعاشوا مع أبنائهم كالعصافير خلف الزجاج يرقبون ما يحدث... هذا في وقت المدافع... يريدون أن يروا كلّ شيء على شاشة التلفاز ولا يريدون أن يقدموا شيء... ولذلك بدأ الإنسان يحسّ بالغربة عن هذا المجتمع الذي أغلب أبنائه قد تربّى على الذلّ والقهر وحبّ الحياة المجرّدة والخلود إلى الأرض..."[4]
لمّا تدبّر في الأمر الإلهي بالنفير والجهاد نفر إلى قتال يهود قائلا: "الله سبحانه وتعالى طلب منا أن نجاهد اليهود وتكفّل لنا بالجنة.. ونحن سرنا على بركة الله في طريق جهادنا ، لا نبحث عن متاع دنيوي زائل..." وقال مبيّنا النهج: "نحن ننفِّذ أوامر الله في جهاد اليهود... نحن لا نبحث عن مناصب أو مراكز في هذه الدنيا ... ولو كان الأمر كذلك لنافقنا وتملّقْنا ولما سرنا عكس التيار... نحن طلاب آخرة ولسنا طلاب دنيا".
حمل السلاح يوم ألقاه الجميع وتمسّك بالنهج يوم تخلى عنه أصحابه! نفر يوم أن قلّ الموافق، وعزّ النصير، وقلّ المعين ، وكثرت الجراح واشتدّ الخطب وتخطفت يد المنون كثيراً من الفرسان الأوائل، والأبطال الأماثل. !! طلق الدنيا ثلاثا واشترى جنان الخلد! ترك الدنيا ونعيمها من أجل لا إله إلا الله!
بطل من أبطال التوحيد، ورجل من رجال العقيدة , سلفيّ العقيدة جهاديّ الدّرب قسّاميّ الإنتماء! مجاهد عقائدي ينظر بعين الشرع لا بعين السياسة! ربط الجهاد وعاطفته بالعقيدة الصحيحة وبالعلم الشرعي فكان يرى أن الجهاد جزء من العقيدة وفرض عين كما الصلاة يحتاج للإعداد الشرعي فبدأ بإعداد سلسلة من الدروس الشرعية يبيّن فيها المنهج الجهادي ويؤصّل أحكامه ويرد على الشُّبَه التي تُثار حوله فبدأ بمقالة: "أيها الوالدان؛ لا استئذان في فروض الأعيان" ثم ما لبث أن أصبح مطلوبا للصهاينة فمن يُكمل المشوار؟!
المطاردة:
مغوار لا يعرف القعود وصنديد لا يعرف الخَوَر وكَتوم لا يعرف الثرثرة ! تسلّم قيادة كتائب الشهيد عز الدين القسام في شمال الضفّة المحتلة بعد خروجه من السجن فعزم على إعادة بناء الكتائب من جديد فبدأ بتشكيل الخلايا العسكرية! وبدأ مشواره العسكريّ فعمل في تصنيع المتفجرات وتركيب الأحزمة والعبوات وإعداد الإستشهاديين وإرسالهم لتنفيذ العمليات الجهادية وكان المدبّر للعديد من العمليات الإستشهادية[5] وشارك في بعض العمليات العسكرية حتى كُشفت إحدى الخلايا واعتقل بعض أفرادها فاعترفوا على إحسان ليصبح بعدها بأيام مطلوبا لقوّات الاحتلال!
فلم يثنه ذلك عن إكمال ما بدأ به رغم ما عاناه في فترة المطاردة ورغم ما واجهه من مصاعب حيث لا مأوى ولا نصير ولا معين! فأخذ يتنقّل من مدينة إلى مدينة يعيد البناء وينظّم الصفوف ويدرّب , وكان رحمه الله يخطط لنقل المشروع الجهادي نقلة نوعية في الفكر والعمل! غير أنّه استشهد بعد بضعة أشهر من المطاردة وطويت أحلامه!
وكان جادّاً في التزام المبدأ والثبات عليه... يعرف ذلك كل من عاشره من إخوانه....وبقي ثابتاً على المنهج والطريق حتى استشهد.. ولمّا سمع أن الحركة ستشارك في الانتخابات البلدية دون التشريعية! وذلك في إحدى بيانات الحركة في محافظة قلقيلية أنكر ذلك وقال "لن يتمّ الأمر حتّى لو وصلت إلى خالد مشعل[6]" وقبل استشهاده بشهر تقريبا جمع بيانات الحركة السابقة التي تدعو إلى عدم الدخول في الانتخابات التشريعية عام 1996 والبيانات الداعية إلى خوض الانتخابات البلدية ليكتب خطابا إلى خالد مشعل يدعوه إلى عدم الموافقة على الأمر! إلا أنّ الرحيل عاجله! مسعّر حرب لو كان معه رجال، لا تأخذه في الله لومة لائم، شديدا ًعلى أعداء الله!
الاستشهاد:
وفي مساء يوم الأحد الثاني عشر من شهر كانون أوّل 2004 كان الأسد على موعد مع أعداء الله , حيث تمّت محاصرته في إحدى البنايات في شارع الأرصاد من الجبل الشمالي في مدينة نابلس بقوّات كبيرة من الجيش تدعمهم الدبابات والطائرات , وحين شعر أنّ القوم يريدونه استعدّ للقاء وصلّى ركعتي الشهادة ورفع يديه عاليا إلى السماء يدعو ربّه ثمّ أخبر رفاقه بأنّه محاصر ، ليبدأ بعدها اشتباك بين جندي التوحيد وجنود الطاغوت استخدموا فيه قذائف الدبابات والقنابل والأسلحة الثقيلة أمّ هو فلم يكن معه سوى رشاشه ومسدّسه , واستمرّت المواجهة حتّى فجر الاثنين الثالث عشر من كانون الأوّل حيث اشتبك مباشرة معهم بمسدسه بعد أن حصل عطل في سلاحه الرشاش ، وحسب اعترافات العدو أنّه جرح ثلاثة من جنوده في المواجه ثم أصيب إصابة قاتلة في فمه مزّقت جزءا من رأسه لتصعد روحه الطاهرة مع أذان الفجر تشكو إلى الله ظلم الطواغيت! ولمّا نُقِل إلى المستشفى وُجد في جسده أكثر من ثلاثين موضع لشظية أو رصاصة!
وهناك في مستشفى رفيديا في نابلس تجمّعت حشود الناس من محبّيه وأصحابه وعمّ المدينة الإضراب وخرجت جنازة مهيبة حضرها الآلاف من المستشفى إلى جامعة النجاح بعد تعليق الدوام فيها وتمّ تأبينه هناك وسط جمع كبير من الناس ثمّ ودّعه أحباؤه وألقوا عليه النظرة الأخيرة لتُكمِل الجنازة مسيرها نحو دوّار الشهداء في نابلس لينقل بعدها إلى بلدته كفر ثلث حيث كان الناس ينتظرونه في قرية عزّون المجاورة لتنطلق منها جنازة لم تشهد المنطقة مثلها جنازة من قبل , ووصل بيته على الأكتاف كما أراد رحمه الله ليودّعَه أهل بيته بالدموع والأنات والصبر الجميل, وضجّت البلدة بحشود البشر حتّى امتلأت شوارعها وضاقت بالناس وأُبِّن ثانية عند المقبرة وصلّى عليه الناس ليُوارى جثمانه الثّرى وتهنأ روحه بعرس الشهادة في الجنان وتبقى ذكراه في نفوس كلّ من عرفه!
وهكذا عاش طيلة سنة مشرداً طريداً يترقب العدو ليل نهار، سلاحه لا يفارقه، وحذره واحتياطه دائم..ولم يرَ أهله طيلة فترة المطاردة بالرغم من شوقه إليهم وعظيم اشتياقهم إليه , وبقي حاملا روحه على كفّه حتى قتل رحمه الله شهيداً بعد أن دافع عن نفسه بما يستطيع وفضل أن يُقتَل في سبيل الله على أن يصبح أسيرا لدى يهود. وأسوته في ذلك الصحابي الجليل الذي قال لما أدركه الطلب (أما أنا فلا أنزل اليوم في ذمة كافر).
فرحمك الله يا إحسان رحمة واسعة، لقد كنت - والله - الأخ الحبيب والصديق الشفيق، وكنت السمع والبصر، فوالله إن مكانك مازال شاغراً، لا يستطيع أن يملأه أحد، وبموتك فقدت عضواً من أعضائي, وإن القلب ليحزن...وإن العين لتدمع... وإنا على فراقك يا إحسان لمحزنون..ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا وحسبنا الله ونعم الوكيل...
المرجع :كفاح نعيم حسن الصيفي
ترنحت نجيمة فجرية
وسقطت
انغمست في حمرة الدماء
وقبلت جبينه المعفر
الشامخ كبرياء
ما روعة الاوسمة
التافهة الطلاء
هذا الفتى المخلد الذي ذهب
الثقب في جبينه
درب جديد للعرب.
ص321 الاعمال الشعرية
[1] نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا.
[2] من بعض رسائل الشهيد إلى إخوانه.
[3] من بعض رسائله بعد أن أصبح مطلوبا.
[4] من بعض رسائله إلى أحد إخوانه.
[5] معضمها لم ينجح لحكمة يعلمها الله.
[6] ربما كان يفترض أنّ خالد مشعل سيقف في وجه ذلك التوجه!
خزانة فلسطين الجغرافية
|
خزانة فلسطين الجغرافية
|
موسوعة الأعلام
|
خزانة فلسطين الجغرافية
|
موسوعة الأعلام
|
موسوعة الأعلام
|
خزانة فلسطين الجغرافية
|
موسوعة الأعلام
|
خزانة فلسطين التاريخية
|
بنك معلومات بيت المقدس
|
بنك معلومات بيت المقدس
|
خزانة فلسطين التاريخية
|
خزانة فلسطين الجغرافية
|
خزانة فلسطين الجغرافية
|
خزانة فلسطين الجغرافية
|